غفَلَت عنه، النظَر إليه إلَّا هذا العدو، وقد فسَّرها بعض المُفسِّرين: زاغَتْ بمَعنَى: مالت عن استِقْرارها، أي: شَخَصت من قوَّة الرُّعْب.
صار الإنسان لا يَنظُر إلَّا إلى هذا الذي أمامه يُراقِبه ويَخشَى منه، وهذا شيء مُشاهَد في طبيعة البشَر أن الإنسان إذا خاف من شيء يَتَّجِه بصَرُه إلى أيِّ شَيْء إلى هذا الشيءِ إلى ناحيته، وتَجِد البصَر -كما يَقول العامَّة: - لا يُغضِي أَبَدًا، مُنفَتِح يَخشَى من مُباغَتَته، فالأَبْصار زاغَتْ {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} القُلوب، يَعنِي: منكم قُلوبكم بلَغَتِ الحناجِر جَمْع حَنْجرة، وهى مُنتَهى الحُلقوم.
وقوله رَحِمَهُ اللَّهُ:[مِن شِدَّة الخَوْف] تعليل لقَوْله عَزَّ وَجَلَّ: {زَاغَتِ} وبلَغَت {الْحَنَاجِرَ}[جَمْع حَنْجرة، وهي مُنتَهى الحُلقوم] وهل حقيقةً بلَغَتِ القُلوب الحناجِر؟ قال بعضُهم: إنها حقيقة، وأنَّ الخائِف إذا اشتَدَّ خوفُه انتَفَخَت رِئَته فإذا انتَفَخَت ضَيَّقت على القَلْب وخرَج ارتَفَع؛ ولهذا يُقال في الجَبان أو في الخائِف: انتَفَخ سَحره. يَعنِي: رِئَته، والأصل حَمْل الشيء على حقيقته، ويَجوز أن يَكون هذا تصويرًا عن شِدَّة الرُّعْب، يَعنِي: حتَّى إنها من شِدَّة الرُّعْب زالتِ القُلوب عن أماكنها، فلا تَتَنفَّس طبيعيًّا، ولا تَنبُض طبيعيًّا؛ لأنها زالَت عن أماكنها.
ثُم قال: [{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} المُختَلِفةَ بالنَّصْر واليَأْس] هذا الاختِلافُ {وَتَظُنُّونَ} أي: أنتم باللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {الظُّنُوَناْ} الأَلِف للإِطْلاق، والظُّنون هذه جمع ظَنٍّ، والمَصدر لا يُجْمَع إلَّا إذا كان أنواعًا، أمَّا إذا كان نَوعًا واحِدًا لا يُمْكِن جَمعه وإن كثُرَ، أمَّا إذا كان أنواعًا صحَّ جَمْعه، فهنا جُمِعت (ظن) وهو مَصدر؛ لتَنوُّعه، يَعنِي: الظُّنون تَدور في أذهانهم أو في أفكارهم مخُتَلِفةً طولًا وعَرْضًا، يَعنِي: هل سيَزول هؤلاء الأحزابُ؟ هل سَيَقْضون علينا؟ هل سنَنْتَصِر؟