ومعروف في مَكان الخوف ماذا يَحدُث للإنسان من الظُّنون والتَّفكيرات القريبة والبَعيدة.
فمِنهم مَن أَيِسَ وقال: ما بَعْد هذا شيءٌ. ومنهم مَن ظَنَّ النَّصْر، مع أن المَقام حالِك جدًّا؛ لأنه يُؤمِن بأنَّ النَّصْر مع الصَّبْر، وأن الفرَج مع الكَرْب، وأن مع العُسْر يُسْرًا، ويقول: نَحن على حَقٍّ، فإِنْ كنَّا على حقٍّ وصَبَرْنا فإنَّ النَّصْر مَضمونٌ؛ فلذلك يَظُنُّ النَّصْر.
ومنهم أصحاب المادَّة أو الظواهِر الحِسِّيَّة، فيَظنون الهلاك ويَيَأْسون من النَّصْر؛ لأنه ليس لديهم رَصيدٌ من الإيمان يَعتَمِدون عليه، ولا شكَّ أن في الذين خرَجوا لهذا أن فيهم مُنَافِقينَ كما يُذكَر في القِصَّة.
المُهِمُّ: أنَّ اللَّه تعالى قال: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}، وأَطلَق ذلك وأتَى به بالجَمْع؛ لأَجْل أن يَذهَب الإنسان في تَصوُّر هذا الظَّنِّ كلَّ مَذهَب، ظُنُون كثيرةٌ مُختَلِفة مُتضارِبة؛ ولهذا جاءَتِ الظُّنون بالجَمْع.
قوله تعالى: {الظُّنُونَا (١٠) هُنَالِكَ} وإن وقَفْتَ قُلتَ: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}، والثالثة:{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا هُنَالِكَ} يَعنِي: وَصْلًا ووَقفًا، ومثل ذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ في سورة الأحزاب:{أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا}[الأحزاب: ٦٦]، {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}[الأحزاب: ٦٧]، فيها هذه القِراءاتُ الثلاثة.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أنه يَنبَغِي لمَن ذُكِّر أن يُذكَر له وجهُ ما ذُكِّر به، الإجمال ليس كالتَّفْصيل. إذَنْ نَأخُذ من هذا فائِدة: أنه يَنبَغي للمُذكِّر أن يُفصِّل فيما ذكَّر به؛ ليَكون ذلك أبلغَ في تَذكُّر المُخاطَب.