الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أن الحالَ الَّتي وقَع في المسلمين حالٌ عظيمةٌ رهيبةٌ، وأنَّهم لا يَستَطيعون أن يَدفَعوا بأنفسهم، وبهذا يَتبَيَّن وجه نِعْمة اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليهم؛ لأن الأعداءَ مُحيطونَ بهم؛ ولأن أَبْصارهم زَاغَت وقُلُوبهم بَلَغتِ الحَناجِر، والأوهام والأفكار التي عِنْدهم قد تَكون دوَّخَتْهم من هنا ومن هناك؛ لقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ المَخاوِف تُرْبِك الإنسان حتى في تَصوُّراته؛ لقوله:{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}، فإن الإنسانَ المُستَقِرَّ لا تَكون عنده ظُنونٌ مُتبايِنة مُتعارِضة؛ لأنه مُستَقِرٌّ، لكن عندما يَحصُل الفزَع، وعندما يَحصُل الخوف تَأتِي الظُّنون من كل وجهٍ.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أن خَوف الإنسانِ الخوفَ الطَّبيعيَّ منَ المخلوقِ لا يُعَدُّ شِرْكًا، تُؤخَذ من قوله تعالى:{زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِر}؛ لأن هذا من شِدَّة الخَوْف، وهو خوفٌ من مَخلوقٍ، لكن الباعِث عليه الأمرُ الطبيعيُّ، وإذا كان الأمر طَبيعيًّا فإنه لا يُؤخَذ به الإنسان؛ ولهذا وُصِفَ به أُولو العَزْم من الرُّسُل، قال اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عن موسى عليه السلام:{فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ}[القصص: ٢١]، ولمَّا كلَّفه اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالرِّسالة قال:{فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ}[القصص: ٣٣]، فهذا خَوْف طبيعيٌّ لا يُلام عليه الإنسان،
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على ما هُم علَيْه من المَرتَبة العالية قد تَعتَرِضهم الظُّنون بسبب الضِّيق؛ لقوله تعالى:{وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}، وهو يُخاطِب المُؤمِنين:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}، فهُمْ لِشِدَّة ضِيق قد تَعتَريهم مثلُ هذه الوَساوِسِ، لكنها في الحقيقة سَحابة صَيْف عندما يَرجع الإنسان إلى وَعْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ يَزول عنه هذا كلُّه ويَتبَدَّد؛ ولهذا سيَأتينا في سياق الآيات قوله عَزَّ وَجَلَّ: