للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال به مالك وأبو حنيفة وأهل الكوفة (١)، وقد احتجوا بقول الشاعر (٢):

يا رُبَّ ذي صغن عليّ فارض ... له قروءٌ كقروءِ الحائض

قال الزجاج: " وما احتج به أهل اللغة مما يقوي مذهبهم" (٣).

والثاني: أنها الأطهار. وهو قول عائشة (٤)، وزيد بن ثابت (٥)، وعلي (٦)، وابن عمر (٧)، وسالم بن عبدالله (٨)، وأبان بن عثمان (٩)، وسليمان (١٠).

وكذا قاله الشافعي وأهل الحجاز (١١)، واستشهدوا بقول الأعشى (١٢):

وَفيِ كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ ... تَشُدُّ لأقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا

مُوَرِّثَةٍ مَالا وَفِي الذِّكْرِ رِفْعةً ... لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءٍ نِسَائِكَا

فالذي ضاع هنا الأطهار لا الحيض (١٣)، "لأنّه خرج إلى الغزو ولم يغش نساءه فأضاع اقراءهنّ أي أطهارهن، ومن قال بهذا القول قال: إذا حاضت المرأة الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها وحلّت للزواج" (١٤).

قال الراغب: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}، " أي ثلاثة دخول من الطهر في الحيض وليس حقيقة هذا إلا ما قاله الشافعي دون ما قاله غيره في أنها إذا رأت الدم ثلاث مرات، فقد انقضى عدتها، وجعل غيره حصول ثلاثة أطهار تتعقبها ثلاث حيض" (١٥).

قلت: إن سبب اختلاف أهل التفسير في معنى (القروء) يعود إلى الإختلاف في المعنى اللغوي للكلمة، فـ (القروء) في كلام العرب: جمع (قُرْء)، وقد تجمعه العرب (أقراء)، يقال في (فعل) منه: أقرأت المراة، إذا صارت ذات حيض وطُهر، فهي تقرئ إقراء.

وقد واختلفوا في اشتقاق (القرء) على قولين (١٦):


(١) انظر: معاني القرآن للزجاج: ١/ ٣٠٣، وتفسير الثعلبي: ٢/ ١٧٠، والنكت والعيون: ١/ ٢٩١.
(٢) مجالس ثعلب: ٣٦٤، والمعاني الكبير: ٨٥٠، ١١٤٣، والحيوان ٦: ٦٦ - ٦٧، والأضداد: ٢٢، وكتاب القرطين ١: ٤٤، ٧٧، واللسان (فرض)، وغيرها، وصواب إنشاده:
يارب مولى حاسد مباغض ... عليّ ذي ضغن وضب فارض
والضب: الغيظ والحقد تضمره في القلب. قروء وأقراء جمع قرء (بضم فسكون): وهو وقت الحيض قال ابن قتيبة: "أي له أوقات تهيج فيها عداوته"، وقال الجاحظ: "كأنه ذهب إلى أن حقده يخبو ثم يستعر، ثم يخبو ثم يستعر".
(٣) معاني القرآن: ١/ ٣٠٣.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٤٧٠٠) - (٤٧٠٣): ص ٤/ ٥٠٦ - ٥٠٧.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٤٧٠٥)، و (٤٧٠٧)، و (٤٧٠٨)، و (٤٧٠٩)، و (٤٧١٠)، و (٤٧١١)، و (٤٧١٢)، و (٤٧١٣)، و (٤٧١٦)، و (٤٧١٧)، و (٤٧١٨)، و (٤٧٢٠) - (٤٧٢٥): ص ٤/ ٥٠٧ - ٥١١.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٤٧٠٩): ص ٤/ ٥٠٨.
(٧) انظر: تفسير الطبري (٤٧١١)، و (٤٧١٥)، و (٤٧١٦): ص ٤/ ٥٠٨ - ٥٠٩.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٤٧١٨): ص ٤/ ٥٠٩.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٤٧١٩): ص ٤/ ٥٠٩.
(١٠) انظر: تفسير الطبري: ٤/ ٥٠٦ - ٥١١.
(١١) انظر: معاني القرآن للزجاج: ١/ ٣٠٣، وتفسير الثعلبي: ٢/ ١٧٠، والنكت والعيون: ١/ ٢٩١.
(١٢) ديوانه: ٦٧، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٧٤ وغيرهما كثير. يمدح هوذة بن على الحنفي، وقد ذكر فيها من فضائل هوذة ومآثره ما ذكر. جشم الأمر يجشمه جثما وجشامة: تكلفه على جهد ومشقة وركب أجسمه والعزيم والعزيمة والعزم: الجد وعقد القلب على أمر أنك فاعله. والعزاء: حسن الصبر عن فقد ما يفقد الإنسان. يقول لهوذة: كم من لذة طيبة صبرت النفس عنها في سبيل تشييد ملكك بالغزو المتصل عامًا بعد عام.
(١٣) انظر: معاني القرآن للزجاج: ١/ ٣٠٤.
(١٤) تفسير الثعلبي: ٢/ ١٧٠.
(١٥) تفسير الراغب الأصفهاني: ١/ ٤٦٦.
(١٦) انظر: النكت والعيون: ١/ ٢٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>