للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن القرء الاجتماع، ومنه أخذ اسم القرآن لاجتماع حروفه، وقيل: قد قرأ الطعام في شدقه وقرأ الماء في حوضه إذا جمعه، وقيل: ما قرأتِ الناقة سَلَى قط، أي لم يجتمع رحمها على ولد قط، قال عمرو بن كلثوم (١):

ذِرَاعَيْ عَيْطَلٍ أدْمَاءَ بكرِ ... هَجَانَ اللون لم تقرَأْ جَنِينَا

فقوله (لم تقرَأْ): أي: لم تضم في رحمها ولداً قط (٢).

وهذا قول الأصمعي (٣)، والأخفش (٤)، والكسائي (٥)، والزجاج (٦)، والشافعي (٧).

والثاني: أن القرء الوقت، لمجيء الشيء المعتاد مجِيؤه لوقت معلوم، ولإدبار الشيء المعتاد إدباره لوقت معلوم. وهذا قول أبي عمرو بن العلاء (٨)، واختاره الطبري (٩).

ولذلك قالت العرب: قرأت حاجةُ فلان عندي، بمعنى دنا قضاؤها، وحَان وقت قضائها، واقرأ النجم، إذا جاء وقت أفوله، وأقرأ، إذا جاء وقت طلوعه، كما قال الشاعر (١٠):

إذَا مَا الثُّرَيَّا وَقَدْ أقْرَأَتْ ... أَحَسَّ السِّمَا كَانِ مِنْها أُفُولا

وقيل: " أقرأت الريح "، إذا هبت لوقتها، كما قال مالك بن الحارث الهذلي (١١):

شَنِئْتُ العَقْرَ عَقْرَ بَنِي شُلَيْلٍ ... إِذَا هَبَّتْ لِقَارِئِهَا الرِّيَاحُ

بمعنى: هبت لوقتها وحين هُبوبها.

ومن ذلك قول الأعشى ميمون بن قيس (١٢):

وَفيِ كُلِّ عَامٍ أَنْتَ جَاشِمُ غَزْوَةٍ ... تَشُدُّ لأقْصَاهَا عَزِيمَ عَزَائِكَا

مُوَرِّثَةٍ مَالا وَفِي الذِّكْرِ رِفْعةً ... لِمَا ضَاعَ فِيهَا مِنْ قُرُوءٍ نِسَائِكَا

ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حُبّيْش: "دعي الصلاة أيام أقرائك" (١٣).

بمعنى: دعي الصلاة أيام إقبال حيضك، إذ جعل (القُرء): وقت الطهر (١٤).


(١) البيت لعمرو بن كلثوم التغلبي في معلقته. انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني ص ١٢٩، وانظر: تهذيب اللغة (٩/ ٢٧١)، ولسان العرب (١/ ١٢٤). والعيطل: الطويل العنق من النوق. والأدماء: البيض منها
(٢) انظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة: ١/ ١ - ٣.
(٣) انظر: النكت والعيون: ١/ ٢٩١.
(٤) انظر: معاني القرآن: ١/ ١٨٧.
(٥) انظر: النكت والعيون: ١/ ٢٩١، و "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢ - ٢٩١٤ مادة (قرأ)، "المفردات" ص ٣٩٩ - ٤٠٠، "عمدة الحفاظ" ٣/ ٣٣٨ - ٣٤٠، "اللسان" ٦/ ٣٥٦٤ - ٣٥٦٥ مادة (قرأ).
(٦) انظر: معاني القرآن: ١/ ٣٠٥.
(٧) انظر: النكت والعيون: ١/ ٢٩١.
(٨) انظر: النكت والعيون: ١/ ٢٩٢، ومعاني القرآن للزجاج ١/ ٣٠٤، وتهذيب اللغة: ٣/ ٢٩١٢ - ٢٩١٤ مادة (قرأ)، والمفردات: ص ٣٩٩ - ٤٠٠، وعمدة الحفاظ: ٣/ ٣٣٨ - ٣٤٠، واللسان: ٦/ ٣٥٦٤ - ٣٥٦٥ مادة (قرأ).
(٩) انظر: تفسير الطبري: ٤/ ٥١١.
(١٠) البيت من شواهد الطبري في تفسيره: ٥/ ١١١. ولم أتعرف على قائله.
(١١) ديوان الهذليين ٣: ٨٣ وشيء الشيء يشنأه شناءة: كرهه. والعقر: اسم مكان و " خليل " الذي نسب إليه هو جد جرير بن عبد الله البجلي.
(١٢) ديوانه: ٦٧، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٧٤ وغيرهما كثير. يمدح هوذة بن على الحنفي، وقد ذكر فيها من فضائل هوذة ومآثره ما ذكر. جشم الأمر يجشمه جثما وجشامة: تكلفه على جهد ومشقة وركب أجسمه والعزيم والعزيمة والعزم: الجد وعقد القلب على أمر أنك فاعله. والعزاء: حسن الصبر عن فقد ما يفقد الإنسان. يقول لهوذة: كم من لذة طيبة صبرت النفس عنها في سبيل تشييد ملكك بالغزو المتصل عامًا بعد عام.
(١٣) رواه أبو دواد والنسائي من طريق المنذرين المغير، عن عروة بن الزبير عن فاطمة بنت أبي حبيش: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: " دعى الصلاة أيام أقرائك ". ثم قال: " ولكن المنذر هذا مجهول ليس بمشهور وذكره ابن حبان في الثقات " وكذلك قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٤/ ١/٢٤٢. وانظر سنن أبي داود ١: ١١٤ - ١١٧ تفصيل ذلك. وانظر البخاري (فتح الباري ١: ٣٤٨ - وما بعده من أبواب الحيض) ومسلم ٤: ١٦ - ٢١ وفاطمة بنت أبي حبيش بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية.
(١٤) انظر: تفسير الطبري: ٤/ ٥١١ - ٥١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>