للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنه الحمل والحيض جميعا. قاله ابن عمر (١)، ومجاهد (٢)، والربيع (٣)، وابن زيد (٤)، والضحاك (٥)، وابن عباس (٦)، والشعبي (٧)، والحكم بن عتيبة (٨)، وهذا قول جمهور أهل التفسير.

والثالث: أنه الحمل، قاله عمر (٩)، وابن عباس (١٠)، ومحمد بن كعب القرظي (١١)، والسدي (١٢)، والنخعي (١٣) - في أحد قوليه-، وقتادة (١٤)، ومقاتل بن حيان (١٥).

ثم اختلف قائلو ذلك في السبب الذي من أجله نُهِيتْ عن كتمان ذلك الرجلَ، وفيه ثلاثة أقوال:

أحدها: نهيت عن ذلك لئلا تبطل حقَّ الزوج من الرجعة، إذا أراد رجعتها قبل وضعها وحملها. قاله عمر (١٦)، وابن عباس (١٧)، وعكرمة (١٨).

والثاني: أن السبب الذي من أجله نُهين عن كتمان ذلك أنهن في الجاهلية كنّ يكتمنَه أزواجهن، خوف مراجعتهم إياهُنّ، حتى يتزوجن غيرهم، فيُلحق نسب الحمل - الذي هو من الزوج المطلِّق - بمن تزوجته. فحرم الله ذلك عليهن. قاله قتادة (١٩).

والثالث: أن السبب الذي من أجله نُهين عن كتمان ذلك، هو أنّ الرجل كان إذا أراد طلاق امرأته سألها هل بها حملٌ؟ كيلا يطلقها، وهي حامل منه للضرر الذي يلحقُه وولدَه في فراقها إن فارقها، فأمِرن بالصدق في ذلك ونُهين عن الكذب. قاله السدي (٢٠).

والراجح هو القول الثاني، وهو قول الجمهور، فـ "الذي نُهيت المرأة المطلَّقة عن كتمانه زوجها المطلِّقَها تطليقة أو تطليقتين مما خلق الله في رحمها - الحيضُ والحبَل، لأنه لا خلاف بين الجميع أنّ العِدّة تنقضي بوضع الولد الذي خلق الله في رحمها، كما تنقضي بالدم إذا رأته بعد الطهر الثالث، في قول من قال: " القُرء " الطهر، وفي قول من قال: هو الحيض، إذا انقطع من الحيضة الثالثة، فتطهرت بالاغتسال" (٢١).


(١) انظر: تفسير الطبري (٤٧٣٤): ص ٤/ ٥١٨، وتفسير ابن أبي حاتم (٢١٩١): ص ٢/ ٤١٥ - ٤١٦.
(٢) انظر: تفسير الطبري (٤٧٣٥)، و (٤٧٣٧) - (٤٧٤٣): ص ٤/ ٥١٨ - ٥١٩.
(٣) انظر: تفسير الطبري (٤٧٤٤): ص ٤/ ٥١٩.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٤٧٤٥): ص ٤/ ٥١٩ - ٥٢٠.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٤٧٤٦): ص ٤/ ٥٢٠.
(٦) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٢١٩١): ص ٢/ ٤١٦.
(٧) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٢١٩١): ص ٢/ ٤١٦.
(٨) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٢١٩١): ص ٢/ ٤١٦.
(٩) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٢١٩٠): ص ٢/ ٤١٥.
(١٠) انظر: النكت والعيون: ١/ ٢٩٢.
(١١) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٢١٩٠): ص ٢/ ٤١٥.
(١٢) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٢١٩٠): ص ٢/ ٤١٥.
(١٣) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٢١٩٠): ص ٢/ ٤١٥.
(١٤) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٢١٩٠): ص ٢/ ٤١٥.
(١٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٢١٩٠): ص ٢/ ٤١٥.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (٤٧٤٧): ص ٤/ ٥٢٠.
(١٧) انظر: تفسير الطبري (٤٧٤٨): ص ٤/ ٥٢١.
(١٨) انظر: تفسير الطبري (٤٧٤٩): ص ٤/ ٥٢١.
(١٩) انظر: تفسير الطبري (٤٧٥٠) - (٤٧٥٢): ص ٤/ ٥٢١ - ٥٢٢.
(٢٠) انظر: تفسير الطبري (٤٧٥٣): ص ٤/ ٥٢٣.
(٢١) تفسير الطبري: ٤/ ٥٢٣. ثم قال: " فإذا كان ذلك كذلك وكان الله تعالى ذكره إنما حرَّم عليهن كتمانَ المطلِّق الذي وصفنا أمره، ما يكونُ بكتمانهن إياه بُطُول حقه الذي جعله الله له بعد الطلاق عليهن إلى انقضاء عِدَدهن، وكان ذلك الحق يبطل بوضعهن ما في بطونهن إن كن حواملَ، وبانقضاء الأمراء الثلاثة إن كن غير حوامل علم أنهن منَهيَّات عن كتمان أزواجهن المطلِّقِيهنَّ من كل واحد منهما، - أعني من الحيض والحبل - مثل الذي هنَّ مَنْهيَّاتٌ عنه من الآخر، وأن لا معنى لخصوص مَنْ خصّ بأن المراد بالآية من ذلك أحدهما دون الآخر، إذ كانا جميعًا مما خلق الله في أرحامهن، وأنّ في كل واحدة منهما من معنى بُطول حق الزوج بانتهائه إلى غاية، مثل ما في الآخر.
ويُسأل من خصّ ذلك - فجعله لأحد المعنيين دون الآخر - عن البرهان على صحة دعواه من أصْل أو حجة يجب التسليم لها، ثم يعكس عليه القول في ذلك، فلن يقول في أحدهما قولا إلا ألزم في الآخر مثله.
وأما الذي قاله السدي من أنه معنيٌّ به نهي النساء كتمانَ أزواجهن الحبلَ عند إرادتهم طلاقهن، فقولٌ لما يدل عليه ظاهر التنزيل مخالف، وذلك أن الله تعالى ذكره قال: " والمطلَّقات يتربَّصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلقَ الله في أرحامهن "، بمعنى: ولا يحل أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن من الثلاثة القروء، إن كنّ يؤمنَّ بالله واليوم الآخر.
وذلك أنّ الله تعالى ذكره ذكر تحريم ذلك عليهن، بعد وصفه إياهن بما وَصفهن به، من فراق أزواجهن بالطلاق، وإعلامهن ما يلزمهن من التربُّص، معرِّفًا لهن بذلك ما يحرُم عليهن وما يحلّ، وما يلزمُهن من العِدَّة ويجبُ عليهن فيها. فكان مما عرّفهن: أنّ من الواجب عليهن أن لا يكتمن أزواجَهن الحيض والحبَل الذي يكون بوضع هذا وانقضاء هذا إلى نهاية محدودة انقطاعُ حقوق أزواجهن ضرارًا منهنّ لهم، فكان نهيُه عما نهاهن عنه من ذلك، بأن يكون من صفة ما يليه قبله ويتلوه بعده، أولى من أن يكون من صفة ما لم يَجْرِ له ذِكر قبله". (تفسير الطبري: ٤/ ٥٢٣ - ٥٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>