للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و {وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}، المراد: "يوم القيامة؛ وإنما سمي اليوم الآخر؛ لأنه لا يوم بعده؛ فالناس إذا بعثوا يوم القيامة فليس هناك موت؛ بل إما خلود في الجنة؛ وإما خلود في النار؛ وذكر اليوم الآخر؛ لأن الإيمان به يحمل الإنسان على فعل الطاعات، واجتناب المنهيات؛ لأنه يعلم أن أمامه يوماً يجازى فيه الإنسان على عمله؛ فتجده يحرص على فعل المأمور، وترك المحظور" (١).

قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا}، " أي: وزوجها الذي طلقها أحق بردتها ما دامت في عدتها، إذا كان مراده بردتها الإصلاح والخير" (٢).

قال الصابوني: "وأزواجهن أحقُّ بهنَّ في الرجعة من التزويج للأجانب إِذا لم تنقض عدتهن وكان الغرض من الرجعة الإِصلاح لا الإِضرار، وهذا في الطلاق الرجعي" (٣).

قال ابن عباس: " يقول: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة، أو تطليقتين وهي حامل، فهو أحق برجعتها ما لم تضع" (٤).

و(البعولة)، جمع (بعل)، وهو الزوج للمرأة، و (البعل) هو الزوج، كما قال الله تعالى عن امرأة إبراهيم: {قال يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً} [هود: ٧٢] أي: زوجي، ومنه قول جرير (٥):

أَعِدُّوا مَعَ الحَلْيِ المَلابَ فَإنَّمَا ... جَرِيرٌ لَكُمْ بَعْلٌ وَأَنْتُمْ حَلائِلُهْ

وقد يجمع (البعل) (البعولة)، و (البعول)، كما يجمع (الفحل) (والفحول) و (الفحولة)، و (الذكر) (الذكور) (والذكورة)، وكذلك ما كان على مثال (فعول) من الجمع، فإن العرب كثيرًا ما تدخل فيه (الهاء) (٦).

وسمي الزوج بعلاً مع أنه مطلِّق؛ لأن الأحكام الزوجية في الرجعية باقية إلا ما استثني (٧).

و{إِصْلاحًا} أي ائتلافاً، والتئاماً بين الزوج، وزوجته، وإزالة لما وقع من الكسر بسبب الطلاق، وما أشبه ذلك (٨).

قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٢٨] أي: "ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن" (٩).

قال السعدي: " أي: وللنساء على بعولتهن من الحقوق واللوازم مثل الذي عليهن لأزواجهن من الحقوق اللازمة والمستحبة" (١٠).


(١) انظر: تفسير ابن عثيمين: ٣/ ٩٩ - ١٠٠.
(٢) تفسير ابن كثير: ١/ ٦٠٩.
(٣) صفوة التفاسير: ١/ ١٣١.
(٤) تفسير ابن أبي حاتم (٢١٩٥): ص ٢/ ٤١٧.
(٥) ديوانه: ٤٨٢ والنقائض: ٦٥٠ وطبقات فحول الشعراء: ٣٤٧. من نقيضة عجيبة كان من أمرها أن الحجاج قال لهما: ائتياني في لباس آبائكما في الجاهلية. فجاء الفرزدق قد لبس الخز والديباج وقعد في قبة. وشاور جرير دهاة قومه بني يربوع فقالوا: ما لباس آبائنا إلا الحديد! فلبس جرير درعًا وتقلد سيفًا، وأخذ رمحًا وركب فرسًا وأقبل في أربعين فارسًا من قومه. فلما رأى الفرزدق قال:
لَبِسْتُ سِلاحِي والفَرَزْدَقُ لُعْبِةً ... عَلَيْهِ وِشَاحًا كُرَّجٍ وَجَلاجِلُهْ
أَعِدُّوا مَعَ الحَلْيِ. . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
والكرج: الخيال الذي يلعب به المخنثون كأنه " خيال الظل " فيما أظن. والجلاجل: الأجراس ويروى: " أعدوا مع الخز " وهو الحرير. والملاب: طيب من الزعفران تتخلق به العروس في زينتها لجلوها. والحلائل جمع حليلة. وهي الزوجة. ولشد ما سخر جرير من ابن عمه! !
(٦) تنظر: تفسير الطبري: ٤/ ٥٢٦.
(٧) انظر: تفسير ابن عثيمين: ٣/ ١٠٠.
(٨) انظر: تفسير ابن عثيمين: ٣/ ١٠٠.
(٩) تفسير ابن كثير: ١/ ٦٠٩.
(١٠) تفسير السعدي: ١/ ١٠٢. ثم قال: " ومرجع الحقوق بين الزوجين يرجع إلى المعروف، وهو: العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من مثلها لمثله، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة، والأحوال، والأشخاص والعوائد.
وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة، والمعاشرة، والمسكن، وكذلك الوطء - الكل يرجع إلى المعروف، فهذا موجب العقد المطلق".

<<  <  ج: ص:  >  >>