للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {وَلَهُنَّ} أي للزوجات سواء كن مطلقات، أو ممسكات، فكما أن على الزوجة أن تتقي الله تعالى في حقوق زوجها، وأن تقوم بما فرض الله عليها؛ فلها أيضاً مثل الذي له في أنه يجب على الزوج أن يعاشرها بالمعروف، وأن يقوم بحقها الذي أوجب الله عليه (١).

ولما كانت المماثلة تقتضي المساواة أخرج ذلك بقوله تعالى: {وللرجال عليهن درجة} أي فضل في العقل، والحقوق؛ وهذا من باب الاحتراس حتى لا يذهب الذهن إلى تساوي المرأة، والرجل من كل وجه (٢).

قال ابن كثير: " فلْيؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف، كما ثبت في صحيح مسلم، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته، في حجة الوداع: "فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهُنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن ألا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مُبَرِّح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (٣) " (٤).

وعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ " (٥).

وأخرج الطبري بسنده عن ابن عباس قال: "إني لأحب أن أتزيَّن للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة؛ لأن الله يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} " (٦).

قال الراغب: "يتبين أن لكل واحد على الآخر حقاً كحق الآخر، فمما تشاركا فيه مراعاتهما للمعنى الذي شرع لأجله النكاح وهو طلب النسل، وتربية الولد، ومعاشرة كل واحد منهما للآخر بالمعروف وحفظ المنزل، وتدبير ما فيه وسياسة ما تحت أيديهما، حماية كل واحد على الآخر بقدر جهده وحده" (٧).

وفي قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٢٨]، ثلاثة أوجه من التفسير (٨):

أحدها: ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن، مثل الذي عليهن من الطاعة، فيما أوجبه الله تعالى عليهن لأزواجهن، وهو قول الضحاك (٩)، وابن زيد (١٠).

والثاني: ولهن على أزواجهن من التصنع والتزين، مثل ما لأزواجهن، وهو قول ابن عباس (١١).

والثالث: أن الذي لهن على أزواجهن، ترك مضارتهن، كما كان ذلك لأزواجهن، وهو قول أبي جعفر (١٢).

قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: ٢٢٨]، أي "وللرجال على النساء ميزةٌ" (١٣).


(١) تفسير ابن عثيمين: ٣/ ١٠٠.
(٢) تفسير ابن عثيمين: ٣/ ١٠٠.
(٣) صحيح مسلم (١٢١٨): ٢/ ٨٨٧.
(٤) تفسير ابن كثير: ١/ ٦٠٩ - ٦١٠.
(٥) سنن أبي داود (٢١٤٢): ٢/ ٢٤٥.
(٦) تفسير الطبري (٤٧٦٨): ص ٤/ ٥٣٢.
(٧) تفسير الراغب الأصفهاني: ١/ ٤٦٩.
(٨) انظر: النكت والعيون: ١/ ٢٩٢ وما بعدها، وتفسير الطبري: ٤/ ٥٣١ وما بعدها.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٤٧٦٦): ص ٤/ ٥٣١.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٤٧٦٧): ص ٤/ ٥٣١.
(١١) تفسير الطبري (٤٧٦٨): ص ٤/ ٥٣٢.
(١٢) انظر: تفسيره: ٤/ ٥٣٣. إذ يقول: " فحرَّم الله على كل واحد منهما مضارَّة صاحبه، وعرّف كلّ واحد منهما ما له وما عليه من ذلك، ثم عقب ذلك بقوله: " ولهن مثلُ الذي عليهن بالمعروف " فبيِّنٌ أن الذي على كل واحد منهما لصاحبه من ترك مضارته، مثل الذي له على صاحبه من ذلك.
فهذا التأويل هو أشبه بدلالة ظاهر التنزيل من غيره. وقد يحتمل أن يكون كل ما على كل واحد منهما لصاحبه داخلا في ذلك، وإن كانت الآية نزلت فيما وصفنا، لأن الله تعالى ذكره قد جعل لكل واحد منهما على الآخر حقًا، فلكل واحد منهما على الآخر من أداء حقه إليه مثل الذي عليه له، فيدخل حينئذ في الآية ما قاله الضحاك وابن عباس وغير ذلك".
(١٣) صفوة التفاسير: ١/ ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>