للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول ابن عباس أقربها إلى الصواب، "وهو أن الـ {درجة} التي ذكر الله تعالى ذكره في هذا الموضع، الصفحُ من الرجل لامرأته عن بعض الواجب عليها، وإغضاؤه لها عنه، وأداء كل الواجب لها عليه، وذلك أن الله تعالى ذكره قال: {وللرجال عليهن درجة} عَقيب قوله: {ولهن مثلُ الذي عليهن بالمعروف}، فأخبر تعالى ذكره أن على الرجل من ترك ضرارها في مراجعته إياها في أقرائها الثلاثة وفي غير ذلك من أمورها وحُقوقها، مثل الذي له عليها من ترك ضراره في كتمانها إياه ما خلق الله في أرحامهنّ وغير ذلك من حقوقه.

ثم ندب الرجال إلى الأخذ عليهن بالفضل إذا تركن أداءَ بعض ما أوجب الله لهم عليهن، فقال تعالى ذكره: " وللرجال عليهن درجة " بتفضّلهم عليهن، وصفحهم لهن عن بعض الواجب لهم عليهن، وهذا هو المعنى الذي قصده ابن عباس بقوله: " ما أحب أن أستنظف جميع حقي عليها " لأن الله تعالى ذكره يقول: {وللرجال عليهن درجة} " (١).

قوله تعالى {والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: ٢٢٨]، أي: والله "غالب ينتقم ممن عصاه، حكيم في أمره وتشريعه" (٢).

قال الربيع: " {عزيز} في نقمته، {حكيم} في أمره" (٣).

قال السعدي: "أي: له العزة القاهرة والسلطان العظيم، الذي دانت له جميع الأشياء، ولكنه مع عزته حكيم في تصرفه" (٤).

قال الطبري: " {والله عزيز} في انتقامه ممن خالف أمره، وتعدَّى حدوده، فأتى النساء في المحيض، وجعل الله عُرضة لأيمانه أن يبرَّ ويتقي، ويصلح بين الناس، وعضَل امرأته بإيلائه، وضَارَّها في مراجعته بعد طلاقه، ولمن كتم من النساء ما خلق الله في أرحامهن أزواجهن، ونكحن في عددهن، وتركنَ التربُّص بأنفسهن إلى الوقت الذي حده الله لهن، وركبن غير ذلك من معاصيه " حكيم " فيما دبَّر في خلقه، وفيما حكم وقضَى بينهم من أحكامه .. وإنما توعَّد الله تعالى ذكره بهذا القول عباده، لتقديمه قبل ذلك بيان ما حرَّم عليهم أو نهاهم عنه، من ابتداء قوله: " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمنَّ " إلى قوله: " وللرجال عليهن درجة " ثم أتبع ذلك بالوعيد ليزدجر أولو النُّهى، وليذكر أولو الحجى، فيتقوا عقابه، ويحذروا عذابه" (٥).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: وجوب اعتداد المطلقة بثلاث حيض؛ لقوله تعالى: {والمطلقات يتربصن}؛ وهي جملة خبرية بمعنى الأمر؛ قال البلاغيون: إذا جاء الأمر بصيغة الخبر كان ذلك توكيداً له؛ كأنه أمر واقع صح أن يخبر عنه.

٢ - ومنها: قوة الداعي في المرأة للزواج؛ لقوله تعالى: {يتربصن بأنفسهن}؛ فكأن النفس تحثها على أن تنهي علاقتها بالأول، وتتزوج؛ فقيل: «تربصي بنفسك» أي انتظري؛ مثل أن تقول: تربصتُ بكذا، وكذا، وكذا.

٣ - ومنها: وجوب العدة بثلاث حيض على كل مطلقة سواء كان طلاقها بائناً أم لا؛ لعموم قوله تعالى: {والمطلقات}.


(١) تفسير الطبري: ٤/ ٥٣٥ - ٥٣٦.
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ١٣١.
(٣) تفسير الطبري (٤٧٧٨): ص ٤/ ٥٣٨.
(٤) تفسير السعدي ١/ ١٠١.
(٥) تفسير الطبري: ٤/ ٥٣٧ - ٥٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>