للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستثنى من ذلك: من لا تحيض لصغر، أو إياس: فعدتها ثلاثة أشهر؛ لقوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن} [الطلاق: ٤].

ويستثنى أيضاً من طلقت قبل الدخول، والخلوة: فليس عليها عدة؛ لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها} [الأحزاب: ٤٩].

ويستثنى أيضاً الحامل؛ فعدتها إلى وضع الحمل؛ لقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق: ٤].

فهذه ثلاث مسائل مستثناة من عموم قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}.

٤ - ومن فوائد الآية: أن من فارق الزوجة بغير طلاق فليس عليها أن تعتد بثلاث حيض، كالمختلعة؛ وعليه فيكفي أن تستبرئ بحيضة؛ وهذا هو القول الراجح.

٥ - ومنها: أنه لو طلقها في أثناء الحيض لم يحتسب بالحيضة التي وقع فيها الطلاق؛ وجهه: أن الحيض لا يتبعض؛ فتلغى بقية الحيضة التي وقع فيها الطلاق؛ ولا بد لها من ثلاث حيض جديدة؛ وإلا يلزم على ذلك أن تكون عدتها ثلاثة قروء وبعض القرء؛ وهو خلاف النص؛ وهذا على القول بأن طلاق الحائض واقع؛ ولكن الصواب أن طلاق الحائض لا يقع؛ لحديث ابن عمر (١)؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» (٢)؛ ولنصوص أخرى دلت على عدم وقوع طلاق الحائض.

٦ - ومن فوائد الآية: أن الطلاق لا يقع قبل النكاح منجزاً كان، أو معلقاً؛ معيناً كان، أو مطلقاً؛ فلو قال لامرأة: «إن تزوجتك فأنت طالق» فتزوجها لم تطلق؛ لقوله تعالى: {والمطلقات}؛ ولا طلاق إلا بعد قيد - وهو عقد النكاح -.

٧ - ومنها: أنه يرجع إلى قول المرأة في عدتها؛ لقوله تعالى: {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن}؛ وجه ذلك أن الله جعل قولها معتبراً؛ ولو لم يكن معتبراً لم يكن لكتمها أيّ تأثير؛ فإذا ادعت أن عدتها انقضت، وكان ذلك في زمن ممكن فإنها تصدق؛ وهي مؤتمنة على ذلك؛ أما إذا ادعت أن عدتها انقضت في زمن لا يمكن فإن قولها مردود؛ لأن من شروط سماع الدعوى أن تكون ممكنة؛ ودعوى المستحيل غير مسموعة أصلاً.

٨ - ومن فوائد الآية: أن المطلقة البائن عدتها ثلاثة قروء؛ لعموم قوله تعالى: {والمطلقات}؛ فيشمل حتى البوائن؛ وهو قول جمهور العلماء؛ حتى لو كانت بائناً بالثلاث؛ فإنها لا بد أن تعتدّ بثلاثة قروء؛ وقال شيخ الإسلام - رحمه الله -: إن كانت المسألة إجماعية فالإجماع معتبر، وهو حجة؛ وإن لم تكن إجماعية فإن القول بأن المبانة تعتد بحيضة واحدة قول وجيه؛ فعلق القول به على وجود مخالف؛ وقد وجد؛ ويؤيد هذا القول قوله تعالى: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك}؛ فإن هذا الحكم إنما هو للرجعيات؛ فيكون العموم مخصصاً بذكر الحكم المختص ببعض أفراده؛ وهذه المسألة فيها نزاع بين العلماء - وهي أنه إذا ورد لفظ عام، ثم فرع عليه حكم يتعلق ببعض أفراده فهل يكون ذلك مخصصاً لعمومه -؛ أو يقال: إن ذكر حكم يختص ببعض الأفراد لا يقتضي التخصيص؛ ومن أمثلته حديث جابر: «قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة» (٣)؛ إذا نظرنا إلى أول الحديث: «في كل ما


(١) راجع البخاري ص ٤٥٣، كتاب الطلاق، باب ١: وقول الله تعالى: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة)، حديث رقم ٥٢٥١؛ ومسلماً ص ٩٢٦ – ٩٢٧، كتاب الطلاق، باب ١: تحريم طلاق الحائض بغير رضاها ... ، حديث رقم ٣٦٥٢ [١] ١٤٧١.
(٢) أخرجه البخاري ص ٢١٤، كتاب الصلح، باب ٥: إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود، حديث رقم ٢٦٩٧؛ وأخرجه مسلم ص ٩٨٢ - ٩٨٣، كتاب الأقضية، باب ٨: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور، حديث رقم ٤٤٩٣ [١٨] ١٧١٨، واللفظ لمسلم.
(٣) أخرجه البخاري ص ١٧١، كتاب البيوع، باب ٩٦: بيع الشريك من شريكه، حديث رقم ٢٢١٣، وأخرجه مسلم ص ٩٥٧، كتاب المساقاة، باب ٢٨ الشفعة، حديث رقم ٤١٢٨ [١٣٤] واللفظ للبخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>