للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي تتعلق به نفس الزوج وتتطلع لأخذه دون ما عداه مما هو في ملكها على أنه إذا كان أخذ ما دفعه إليها لا يحل له كان ما عداه ممنوعا منه بالأولى" (١).

وقد اختلف أهل العلم في الخطاب الموجه في قوله تعالى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ} [البقرة: ٢٢٩]، على قولين (٢):

أحدهما: أن الخطاب للأزواج، أي لا يحل للأزواج أن يأخذوا مما دفعوه إلى نسائهم من المهر شيئا على وجه المضارة لهن. وهذا قول الجمهور.

والثاني: أن الخطاب فيه للأئمة والحكام ليطابق قوله {فإن خفتم}، فإن الخطاب فيه للأئمة والحكام وعلى هذا يكون إسناد الأخذ إليهم لكونهم الآمرين بذلك.

والقول الأول أولى، وذلك لقوله تعالى {مما آتيتموهن}، "فإن إسناده إلى غير الأزواج بعيد جدا لأن إيتاء الأزواج لم يكن عن أمرهم وقيل إن الثاني أولى لئلا يتشوش النظم" (٣).

قوله تعالى: {إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} [البقرة: ٢٢٩]، أي: "إِلا أن يخاف الزوجان سوء العشرة وألا يرعيا حقوق الزوجية التي أمر الله تعالى" (٤).

قال الشوكاني: " أي لا يجوز لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا عدم إقامة حدود الله التي حدها للزوجين وأوجب عليهما الوفاء بها من حسن العشرة والطاعة" (٥).

واختلفت القراءة في قوله تعالى: {إِلاَّ أَن يَخَافَآ} [البقرة: ٢٢٩]، على وجهين (٦):

أحدهما: {يُخَافَآ}، قراءة حمزة وحده.

على البناء للمجهول والفاعل محذوف، وهو الأئمة والحكام، واختاره أبو عبيد قال لقوله {فإن خفتم} فجعل الخوف لغير الزوجين، وقد احتج بذلك من جعل الخلع إلى السلطان وهو سعيد بن جبير (٧)، والحسن وابن سيرين، وقد ضعف النحاس اختيار أبي عبيد المذكور (٨).

والثاني: {يَخَافَآ}، بفتح (الياء)، وهي قراءة معظم أهل الحجاز والبصرة.

وذلك بمعنى إلا أن يخاف الرجل والمرأة أن لا يقيما حدود الله، وقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي بن كعب: {إِلاَّ أَن يظنا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ الله} (٩).

والعرب قد تضع (الظن) موضع (الخوف)، و (الخوف) موضع (الظن) في كلامها، لتقارب معنييهما، كما قال أبو الغول الطهوي (١٠):


(١) فتح القدير: ١/ ٢٣٨.
(٢) انظر: فتح القدير: ١/ ٢٣٨.
(٣) فتح القدير: ١/ ٢٣٨.
(٤) صفوة التفاسير: ١/ ١٣١.
(٥) فتح القدير: ١/ ٢٣٨.
(٦) انظر: السبعة: ١٨٢.
(٧) انظر: تفسير الطبري (٤٨١٨): ص ٤/ ٥٥٨.
(٨) انظر: فتح القدير: ١/ ٢٣٨.
(٩) انظر: تفسير الطبري: ٤/ ٥٥٠. قال الطبري: " حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، أخبرني ثور، عن ميمون بن مهران قال: في حرف أبي بن كعب أن الفداء تطليقة. قال: فذكرت ذلك لأيوب، فأتينا رجلا عنده مصحف قديم لأبي خرج من ثقة، فقرأناه فإذا فيه: {إلا أن يظنا ألا يقيما حدود الله، فإن ظنا ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} ". (تفسير الطبري: ٤/ ٥٥٠).
(١٠) البيت في نوادر أبي زيد: ٤٦ ومعاني القرآن للفراء ١: ١٤٦ وتفسير الطبري: ٤/ ٥٥٠ و ٥/ ٤٠، وهو شاعر اسلامي عاش في الدولة المروانية، ولم أجد خبر " نصيب " و " سلام " وربما كان نصيب هذا هو أبو الحجناء نصيب الأسود مولى عبد العزيز بن مروان. فإن أبا الغول، كما أسلفت شاعر إسلامي كان في الدولة المروانية وهجا حمادا (الأغاني ٥: ١٦٢) وقال له أيضًا فيما روى أبو زيد في نوادره ص: ٤٦
ولقد ملأت على نصيب جلده بمساءة إن الصديق يعاتب

<<  <  ج: ص:  >  >>