للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال العلماء: "إذا كانت الحدود مما يجب فعله قال تعالى: {فَلا تَعْتَدُوهَا}؛ وأما إذا كانت الحدود من المحرمات فإنه تعالى يقول: {فلا تقربوها} " (١).

وذكر أهل التفسير في قوله تعالى: {فَلا تَعْتَدُوهَا} [البقرة: ٢٢٩]، وجهين:

أحدهما: أن المعنى: تلك طاعة الله فلا تعتدوها. قاله الضحاك (٢).

والثاني: أن الطلاق من حدود الله فلا تعتدوها. قاله ابن شهاب (٣).

قوله تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فأولئك هُمُ الظالمون} [البقرة: ٢٢٩]، أي و"من خالف أحكام الله، فقد عرَّض نفسه لسخط الله وهو من الظالمين المستحقين للعقاب الشديد" (٤).

قال الضحاك: "يقول: " من طلق على غير هذا فقد ظلم نفسه" (٥).

قال القاسمي: " أي: [الظالمين] لأنفسهم بتعريضها لسخط الله تعالى وعقابه. وتعقيب النهي بالوعيد للمبالغة في التهديد" (٦).

قال الشيخ السعدي: " وأي ظلم أعظم ممن اقتحم الحلال، وتعدى منه إلى الحرام، فلم يسعه ما أحل الله؟ والظلم ثلاثة أقسام: ظلم العبد فيما بينه وبين الله، وظلم العبد الأكبر الذي هو الشرك، وظلم العبد فيما بينه وبين الخلق، فالشرك لا يغفره الله إلا بالتوبة، وحقوق العباد، لا يترك الله منها شيئا، والظلم الذي بين العبد وربه فيما دون الشرك، تحت المشيئة والحكمة" (٧).

الفوائد:

١ - من فوائد الآية: حكمة الله عزّ وجلّ ورحمته في حصر الطلاق بالثلاث بأنه لا رجعة بعد الثالثة حتى تنكح زوجاً غيره؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يطلِّق الإنسان زوجته عدة طلقات؛ فإذا قاربت انتهاء العدة راجع، ثم طلق، فتستأنف العدة؛ فإذا شارفت الانقضاء راجع، ثم طلق؛ فإذا شارفت الانقضاء راجع ثم طلق ... وهكذا؛ فتبقى المرأة معذبة: لا مزوجة، ولا مطلقة؛ فتبقى معلقة؛ فجعل الله الأمر في ثلاث طلقات فقط.

٢ - ومنها: اعتبار التكرار بالثلاث؛ وهذه لها نظائر كثيرة؛ فالسلام ثلاث؛ والاستئذان ثلاث؛ ورد الكلام إذا لم يفهم من أول مرة ثلاث؛ وفي الوضوء والعبادات أيضاً تكرار الثلاث كثير؛ فإذاً الثلاث تعتبر تكراراً يكتفى به في كثير من الأمور.

٣ - ومنها: الإشارة إلى أن الطلاق المكرر بلفظ واحد ليس بطلاق؛ بمعنى أنه لا يتكرر به الطلاق؛ لأن قوله تعالى: {الطلاق مرتان} وصف يجب أن يكون معتبراً؛ فإذا طلقت امرأتك؛ فقلت: أنت طالق؛ فقد طلقت؛ فإذا قلت ثانية: «أنت طالق» فكيف تورد طلاقاً على مطلقة؛ لأن الطلاق لا يرد إلا على من كانت غير مطلقة حتى يقال: طلقت؛ وهنا قال تعالى: {الطلاق مرتان}؛ ولهذا قال الفقهاء - رحمهم الله -: لو أن الرجل طلق امرأته، وحاضت مرتين، ثم طلقها بعد الحيضة الثانية لا تستأنف عدة جديدة للطلقة الثانية؛ بل تبني على ما مضى؛ وإذا حاضت الثالثة، وطهرت انقضت عدتها؛ لأن الطلاق الثاني ليس له عدة؛ وهذا مما يؤيد اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الطلاق المكرر لا عبرة به إلا أن يصادف زوجة غير مطلقة؛ ولأن الله سبحانه وتعالى قال: {فطلقوهن لعدتهن}؛ والفقهاء الذين خالفوا في ذلك يقولون: إنه إذا كرر الطلاق في المرة الثانية لا تستأنف العدة؛ فإذاً هي مطلقة لغير عدة فلا يقع الطلاق؛ لأنه سيكون على خلاف ما أمر الله


(١) تفسير ابن عثيمين: ٣/ ١٠٩.
(٢) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٢٢٢٦): ص ٢/ ٤٢٢.
(٣) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٢٢٢٧): ص ٢/ ٤٢٢.
(٤) صفوة التفاسير: ١/ ١٣١.
(٥) تفسير ابن أبي حاتم (٢٢٢٩): ص ٢/ ٤٢٢.
(٦) محاسن التأويل: ٢/ ١٣٨.
(٧) تفسير السعدي: ١/ ١٠٢ - ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>