للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن قتادة قال: "سئل أنس بن مالك كيف كانت قراءة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: 'كانت مداً ثم قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يمد الرحمن ويمد الرحيم، " (١).

وعن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: "صليت خلف النبي وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف علي، فكلهم كانوا يجهرون بقراءة (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) " (٢).

١٠. وقد ذكر الرازي أن البيهقي روى الجهر بالبسملة في سننه عن عمر بن الخطاب وابن عمر وابن الزبير ثم قال الرازي: "وأما علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) كان يجهر بالبسملة فقد ثبت بالتواتر ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى، والدليل عليه قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): 'اللهم أدر الحق مع علي حيث دار" (٣).

وهنالك حجة أخرى على أن البسملة آية في كل سورة وهي أن الصحابة كافة ومن بعدهم إلى يومنا هذا أجمعوا إجماعاً عملياً على كتابة البسملة في بداية كل سورة عدا سورة براءة، كما كتبوا سائر الآيات بلا ميزة مع أنهم مطبقون على أن لا يكتبوا شيئاً من غير القرآن إلا بميزة عنه حرصاً منهم على أن لا يختلط فيه شيء من غيره، وقلَّ أن تجتمع الأمة على أمر كاجتماعها على ذلك، وهذا دليل على أن البسملة أية مستقلة في بداية كل سورة.

دليل آخر: من المشهور المأثور عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع (٤) أو أبتر أو أجذم" (٥) فهل يمكن أن يكون


(١) سنن البيهقي - باب افتتاح القراءة في الصلاة ببسم الله - الجزء ٢ ص ٤٦، والمستدرك، حديث الجهر ببسم الله الجزء ١ ص ٢٣٣ ".
(٢) مستدرك الحاكم: ١/ ٢٣٢، والذهبي في تلخيصه وقد صرحا بصحة الحديث.
(٣) الجامع الصغير للسيوطي - حرف الكاف: ٢/ ٩١، كنز العمال: ١/ ١٩٣.
(٤) الجامع الصغير للسيوطي - حرف الكاف: ٢/ ٩١، كنز العمال: ١/ ١٩٣. وانظر: التفسير الكبير للرازي - ج ١ في تفسير البسملة. قال الإمام النووى فى " الأذكار " ١/ ٩٤: وقد روى موصولا كما ذكرنا وروى مرسلا ورواية الموصول جيدة الإسناد، وقال عبد القادر الأرناؤوط ١/ ٩٤: أخرجه ابن السنى فى عمل " اليوم والليلة " عن أبى هريرة وإسناده ضعيف. ورواه بنحوه الحاكم والترمذى والبيهقى فى " شعب الإيمان " عن ابن عباس رضى الله عنهما وفى سنده يمان بن المقبرة وهو ضعيف.
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ كَلَامٍ أَوْ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُفْتَحُ بِذِكْرِ اللهِ فَهُوَ أَبْتَرُ - أَوْ قَالَ: أَقْطَعُ -) وقد روي الحديث بألفاظ أخرى نحو هذا.
رواه الإمام أحمد في " المسند " (١٤/ ٣٢٩) طبعة مؤسسة الرسالة، وآخرون كثيرون من أصحاب السنن والمسانيد.
وفيه علتان:
العلة الأولى: ضعف قرة بن عبد الرحمن، قال أحمد بن حنبل: منكر الحديث جدا. وقال يحيى بن معين: ضعيف الحديث. وقال أبو زرعة: الأحاديث التى يرويها مناكير. انظر: "تهذيب التهذيب" (٨/ ٣٧٣)
العلة الثانية: أنه قد رجح بعض أهل العلم أن الصواب فيه: عن الزهري مرسلا، ـ والمرسل من أقسام الحديث الضعيف ـ.
فقد أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (٤٩٥، ٤٩٧) عن الزهري، قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره.
قال الدارقطني رحمه الله: "والصحيح عن الزهري المرسل " انتهى." العلل " (٨/ ٣٠).
وضعفه الزيلعي في " تخريج الكشاف " (١/ ٢٤)، وضعفه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " (١/ ٢٩ - ٣٢)، كما ضعفه المحققون في طبعة مؤسسة الرسالة. وقد حَسَّن الحديث أو صححه جماعة من العلماء، فقد حسنه النووي وابن حجر، وصححه ابن دقيق العبد وابن الملقن.
وسئل عنه الشيخ ابن باز رحمه الله فقال:
"جاء هذا الحديث من طريقين أو أكثر عند ابن حبان وغيره، وقد ضعفه بعض أهل العلم، والأقرب أنه من باب الحسن لغيره" انتهى."مجموع فتاوى ابن باز" (٢٥/ ١٣٥).
والحديث معناه مقبول ومعمول به، فقد افتتح الله تعالى كتابه بالبسملة، وافتتح سليمان عليه السلام كتابه إلى ملكة سبأ بالبسملة، قال تعالى: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) النمل/٣٠، وافتتح النبي صلى الله عليه وسلم كتابه إلى هرقل بالبسملة، وكان صلى الله عليه وسلم يفتتح خطبه بحمد الله والثناء عليه.
وقد ذهب أكثر الفقهاء إلى مشروعية البسملة واستحبابها عند الأمور المهمة.
وجاء في الموسوعة الفقهية (٨/ ٩٢): "اتفق أكثر الفقهاء على أن التسمية مشروعة لكل أمر ذي بال، عبادة أو غيرها" انتهى. والله أعلم.
(٥) انظر: التفسير الكبير للرازي - ج ١ في تفسير البسملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>