للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: أنه مشتق من المالك، كما يقال رب الدار أي مالكها، ومنه قول صفوان بن أمية (١): " لأن يَرُبَّنِي رجل من قريش أحب إِلي من أن يَرُبَّنِي رجل من هوازن، يعني: أن يكون ربًا فوقي، وسيدًا يملكني" (٢).

ومن ملك شيئا فهو ربّه، يقال: هو ربّ الدار وربّ الضيعة (٣)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل: "أَرَبُّ إِبلٍ أنت أم رَبُّ غنم؟ " (٤)، وقال النابغة (٥):

فَإِنْ تَكُ رَبَّ أَذْوَادٍ بِحُزْوى ... أَصَابُوا مِنْ لِقَاحِكَ مَا أَصَابُوا

فـ (الرب) (٦): بمعنى المالك للشيء، والأمثلة عليه كثيرة، نذكر منها قوله عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢]، فهو سبحانه مالك كل شيء، ونحو هذا قوله عز وجل: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [المؤمنون: ٨٦]، أي: إنه سبحانه هو مالك السماوات السبع والعرش العظيم وسيدهما، فلا مالك لهما سواه، ولا سيد لهما غيره. ونحوه قوله تعالى: {وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٦٤]، قال القرطبي: أي: "مالكه" (٧).

والثاني: أنه مشتق من السيد، لأن السيد يسمى ربّاً، قال تعالى: {أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً} [يوسف: ٤١] يعني سيده، وقوله: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف: ٤٢]. ومنه لَبِيد بن ربيعة (٨):

وأَهْلكْنَ يومًا ربَّ كِنْدَة وابنَه ... ورَبَّ مَعدٍّ، بين خَبْتٍ وعَرْعَرِ

يعني بربِّ كندة: سيِّد كندة. ومنه قول نابغة بني ذُبيان (٩):

تَخُبُّ إلى النُّعْمَانِ حَتَّى تَنالَهُ ... فِدًى لكَ من رَبٍّ طَرِيفِي وَتَالِدِي


(١) صفوان بن أمية بن خلف الجمحي القرشي، أسلم بعد الفتح، وروى أحاديث وشهد اليرموك، توفي سنة إحدى وأربعين. انظر ترجمته في "الإصابة" ٢/ ١٨٧، "تجريد أسماء الصحابة" ١/ ٢٦٦، "سير أعلام النبلاء" ٢/ ٥٦٢، "طبقات ابن سعد" ٥/ ٤٤٩.
(٢) التفسير البسيط: ١/ ٤٨٧، وذكره الأزهري في "التهذيب"، وفيه: أن صفوان كان يرد بذلك على أبي سفيان". التهذيب" (رب) ٢/ ١٣٣٦، وذكره ابن هشام في "السيرة"، وذكر عن ابن إسحاق أنه كان يرد به على (جبلة بن الحنبل) وقال ابن هشام (كلدة بن الحنبل) "السيرة" لابن هشام ٤/ ٧٢ - ٧٣.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (رب) ٢/ ١٣٣٦، " الزينة" ٢/ ٢٧، "اشتقاق أسماء الله" ص ٣٢، والتفسير البسيط: ١/ ٤٨٧.
(٤) أخرجه أحمد في (مسنده) عن أبي الأحوص عن أبيه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فصعد في النظر وصوَّب وقال: "أَرَبُّ إبل .... " الحديث ٤/ ١٣٦، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٢٥/ ب، والرازي في "الزينة" ٢/ ٢٩.
(٥) البيت في رواية الواحدي في تفسيره: ١/ ٤٨٧، وأما رواية البيت في "الديوان":
فَإِنْ تَكُنِ الفَوَارِسُ يَوْمَ حِسْي ... أَصَابُوا مِنْ لِقَائِكَ مَا أَصَابُوا
"الديوان" ص ٨٤، ونحو رواية الديوان في "مجاز القرآن" ١/ ٣١١، "الزاهر" ١/ ٥٧٥، "الزينة" ٢/ ٢٧، وبمثل رواية الواحدي ورد في "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٥/ ب، ولعله أخذه عنه، و (حُزْوى) بضم الحاء موضع بنجد، انظر: "معجم البلدان" ٢/ ٢٥٥.
(٦) وورد ذكر (الرب) في القرآن في أكثر من (٩٧٨) موضع.
(٧) انظر: تفسير القرطبي: ١/ ١٣٧، ولسان العرب: ١/ ٣٩٩.
(٨) ديوانه القصيدة: ١٥/ ٣٢. وسيد كندة هو حجر أبو امرئ القيس. ورب معد: حذيفة بن بدر، كما يقول شارح ديوانه، وأنا في شك منه، فإن حذيفة بن بدر قتل بالهباءة. ولبيد يذكر خبتًا وعرعرًا، وهما موضعان غيره.
(٩) ديوانه: ٨٩، والمخصص ٧: ١٥٤. الطريف والطارف: المال المستحدث، خلاف التليد والتالد: وهو العتيق الذي ولد عندك.

<<  <  ج: ص:  >  >>