للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فـ (الرب): بمعنى السيد المطاع، والرئيس وصاحب السلطة النافذ الحكم، والمعترف له بالرفعة والسيادة، والمالك لصلاحيات التصرف، ومنهقوله سبحانه: {وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: ٦٤]، وقوله تعالى: [اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ] [يوسف: ٤٢] (١)، وقوله تعالى: {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف: ٥٠]، و (الربّ) بمعنى الملك والسيد، قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} [قريش: ٣]، وقوله سبحانه: {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [المؤمنون: ٨٦] (٢).

وذهب ابن عاشور إلى أن "الأكثر في كلام العرب ورود (الرب) بمعنى المالك والسيد (٣).

والثالث: أنه مشتق من (الصلح)، لأن الرجل المصلح للشيء يُدعى ربًّا، ومنه قول الفرزدق بن غالب (٤):

كانُوا كَسَالِئَةٍ حَمْقَاءَ إذْ حَقَنتْ ... سِلاءَها فِي أدِيم غَيْرِ مَرْبُوبِ

يعني بذلك: في أديم غير مُصلَحٍ. ومن ذلك قيل: إن فلانًا يَرُبُّ صنيعته عند فلان؛ إذا كان يحاول إصلاحها وإدامتها، ومن ذلك قول علقمة بن عَبَدة (٥):

فكُنْتَ امرَأً أَفْضَتْ إليك رِبَابَتي ... وَقَبْلَكَ رَبَّتْني، فَضِعْتُ رُبُوبُ

يعنى بقوله: أفضتْ إليك، أي وصلتْ إليك رِبَابتي، فصرتَ أنت الذي ترُبُّ أمري فتصلحه (٦).


(١) ومنه قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا} [لأنعام: ١٦٤]، أي: أغير الله أتخذ إلهاً أعبده. ومنها قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ} [الأعراف: ٥٤]، أي: إن المعبود الحق الذي ينبغي أن يُفرد بالعبادة هو الله دون سواه. ومنها قول الباري سبحانه: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ} [يونس: ٣]، أي: إن الله سبحانه هو المعبود الحق الذي ينبغي أن تخلص له العبادة.
(٢) هذا، وقد ذكر بعض المفسرين أن لفظ (الرب) في القرآن جاء بمعنى كبير القوم، وتأول عليه قوله تعالى على لسان قوم موسى: {فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: ٢٤]، وذلك أن هارون عليه السلام كان أسن من موسى عليه السلام، وكان معظَّماً في بني إسرائيل محبَّباً، لسعة خُلُقه، ورحب صدره، فكأنهم قالوا: اذهب أنت وكبيرك. وقد ذكر هذا القول الدامغاني كأحد معنيين للفظ (الرب). قال ابن عطية معقباً على هذا القول: "وهذا تأويل بعيد، وهارون إنما كان وزيراً لموسى، وتابعاً له في معنى الرسالة". [المحرر الوجيز: ٢/ ١٧٥].
(٣) انظر: التحرير والتنوير: ١/ ١٦٦ ومابعدها.
(٤) ديوانه: ٢٥. سلأ السمن يسلؤه: طبخه وعالجه فأذاب زبده. والسلاء، بكسر السين: السمن. وحقن اللبن في الوطب، والماء في السقاء: حبسه فيه وعبأه. رب نحى السمن يربه: دهنه بالرب، وهو دبس كل ثمرة، وكانوا يدهنون أديم النحى بالرب حتى يمتنوه ويصلحوه، فتطيب رائحته، ويمنع السمن أن يرشح، من غير أن يفسد طعمه أو ريحه. وإذا لم يفعلوا ذلك بالنحى فسد السمن. وأديم مربوب: جدا قد أصلح بالرب. يقول: فعلوا فعل هذه الحمقاء، ففسد ما جهدوا في تدبيره وعمله.
(٥) ديوانه: ٢٩، والمخصص ١٧: ١٥٤، والشعر يقوله للحارث بن أبي شمر الغساني ملك غسان، وهو الحارث الأعرج المشهور. قال ابن سيده: " ربوب: جمع رب، أي الملوك الذين كانوا قبلك ضيعوا أمري، وقد صارت الآن ربابتي إليك - أي تدبير أمري وإصلاحه - فهذا رب بمعنى مالك، كأنه قال: الذين كانوا يملكون أمري قبلك ضيعوه ". وقال الطبري فيما سيأتي: " يعني بقوله: ربتني: ولي أمري والقيام به قبلك من يربه ويصلحه فلم يصلحوه، ولكنهم أضاعوني فضعت ". والربابة: المملكة، وهي أيضًا الميثاق والعهد. وبها فسر هذا البيت، وأيدوه برواية من روى بدل " ربابتي "، " أمانتي ". والأول أجود.
(٦) انظر: تفسير الطبري: ١/ ١٤١ - ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>