للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه قول الشاعر (١):

يَرُبُّ الذِّي يَأْتِي مِنَ الخَيْرِ أَنَّهُ ... إذَا فَعَلَ المَعْرُوفَ زَادَ وَتَمَّمَا

فالمعنى: على هذا أنه يربي الخلق ويغذوهم بما ينعم عليهم (٢).

فالرب هو الكفيل والرقيب، والمتكفل بالتعهد وإصلاح الحال، ومنه قوله عز وجل على لسان إبراهيم عليه السلام: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ٧٧]، وقوله عز وجل: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل: ٩] (٣)، قال ابن كثير: " أي: هو الذي جعل المشرق مشرقاً، تطلع منه الكواكب، والمغرب مغربا تغرب فيه الكواكب، ثوابتها وسياراتها، مع هذا النظام الذي سخرها فيه وقدرها" (٤). ونظيره قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل: ٩]، أي: هو المالك المتصرف في المشارق والمغارب لا إله إلا هو.

والرابع: أن الرب: المدَبِّر، ومنه قول الله عزَّ وجلَّ: {وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ} وهم العلماء، سموا ربَّانيِّين، لقيامهم بتدبير الناس بعلمهم، وقيل: ربَّهُ البيت، لأنها تدبره.

والخامس: الرب مشتق من التربية، ومنه قوله تعالى: {وَرَبَآئِبُكُمُ اللاَّتِي في حُجُورِكُمْ} [النساء: ٢٣] فسمي ولد الزوجة ربيبة، لتربية الزوج لها، ومنه قوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف: ٢٣] (٥)، ومنه قول الشاعر (٦):

فَإِنْ كُنْتِ مِنِّي أَوْ تُرِيدِين صُحْبَتِي ... فَكُونِي لَهُ كَالسَّمْنِ رُبَّتْ لَهُ الأَدَم

قال الطبري: " فربّنا جلّ ثناؤه: السيد الذي لا شِبْه لهُ، ولا مثل في سُؤدده، والمصلح أمر خلقه بما أسبغ عليهم من نعمه، والمالك الذي له الخلق والأمر" (٧).


(١) ورد البيت بدون عزو في "الزاهر" ١/ ٥٧٦، "تهذيب اللغة" (رب) ٢/ ١٣٣٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ٢٥/ ب، "الوسيط" للواحدي ١/ ١٧، "اللسان" (ربب) ٣/ ١٥٤٧، ورواية البيت في غير الثعلبي (من العرف) بدل (من الخير)، (سئل) بدل (فعل).
(٢) التفسير البسيط: ١/ ٤٨٦.
(٣) انظر: المصطلحات الأربعة في القرآن، أبو الأعلى المودودي، هذه رساله ألفها الاستاذ السيد أبو الأعلى المودودي في سنة ١٣٦٠ هـ - ١٩٤١ م، ونشر فصولها تباعا في مجلته الشهرية " ترجمان القرآن " ثم جمعها ونشرها في رسالة سماها " المصطلحات الأربعة في القرآن ": ص: ٢٨ ومابعدها.
(٤) تفسير ابن كثير: ٦/ ١٤٠.
(٥) لا يذهبن بأحد الظن أن يوسف عليه الصلاة والسلام أراد بكلمة (ربي) في الآية عزيز مصر، كما ذهب إليه بعض المفسرين، وإنما يرجع الضمير في (انه) إلى الله الذي قد استعاذ به يوسف عليه السلام بقوله: (معاذ الله).
ولما كان المشار إليه قريبا من ضمير الاشارة فأي حاجة بنا إلى أن نلتمس له مشارا إليه آخر لم يذكر قريبا منه.
ونقول: ما نفاه الاستاذ المودودي من أن الضمير في (إنه) يعود على عزيز مصر رواه الطبري في التفسير ١٢/ ١٠٨ من وجوه عن مجاهد وابن اسحاق، ولم ينقل غيره. وقد روى الوجه الذي ذهب إاليه الاستاذ المودودي الطبرسي في (مجمع البيان) ٥/ ٢٢٣ مقال: " .. وقيل: أن الهاء عائد إلى الله سبحانه، والمعنى أن الله ربي رفع من محلي وأحسن إلى وجعلني نبياً فلا أعصيه أبدا "
(٦) البيت لعمرو بن شأس، كان له ابن يقال له (عرار) من أمة سوداء، وكانت امرأته تؤذيه وتستخف به، فقال قصيدة يخاطبها، ومنها هذا البيت، يقول: إن كنت تريدين مودتي، فأحسني إليه كما تستصلحين وعاء السمن حتى لا يفسد عليك، و (الأَدَم) جمع أَدِيم: الجلد المدبوغ، و (الرُّبُّ): خلاصة التمر بعد طبخه وعصره. ورد البيت في "شعر عمرو" ص ٧١، "الشعر والشعراء" ص ٢٧٤، "طبقات الشعراء" للجمحي ص ٨٠، "أمالي القالي" ٢/ ١٨٩، "اشتقاق أسماء الله" ص ٣٣، "الصحاح" (ربب) ١/ ١٣١، "اللسان".
(٧) تفسير الطبري: ١/ ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>