للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الماوردي: "فعلى هذا، أن صفة الله تعالى بأنه رب، لأنه مالك أو سيد، فذلك صفة من صفات ذاته، وإن قيل لأنه مدبِّر لخلقه، ومُربِّيهم، فذلك صفة من صفات فعله، ومتى أدْخَلت عليه الألف واللام. اختص الله تعالى به، دون عباده، وإن حذفتا منه، صار مشتركاً بين الله وبين عباده " (١).

قال ابن القيم: " ربوبيته للعالم تتضمن تصرفه فيه، وتدبيره له، ونفاذ أمره كل وقت فيه، وكونه معه كل ساعة في شأن، يخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، ويعز ويذل، ويصرف الأمور بمشيئته وإرادته، وإنكار ذلك إنكار لربوبيته وإلهيته وملكه" (٢).

وقد ذهب الزمخشري ومن تابعه إلى أن لفظ (الرب) لم يطلق على غيره تعالى إلا مقيداً (٣)، وقد رد ابن عاشور قول الزمخشري بقوله: "وجمعه على (أرباب) أدل دليل على إطلاقه على متعدد، فكيف تصح دعوى تخصيص إطلاقه عندهم بالله تعالى؟ " (٤)، واستدل ابن عاشور على إطلاقه غير مضاف على غيره سبحانه، بقوله تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: ٣٩]، فهذا إطلاق لـ (الرب) غير مضاف على غير الله تعالى.

وأما (العالَمون): فـ"جمع (عالَم)، والعالَم: جمعٌ لا واحدَ له من لفظه، كالأنام والرهط والجيش، ونحو ذلك من الأسماء التي هي موضوعات على جِمَاعٍ لا واحد له من لفظه، والعالم اسم لأصناف الأمم، وكل صنف منها عالَمٌ، وأهل كل قَرْن من كل صنف منها عالم ذلك القرن وذلك الزمان. فالإنس عالَم، وكل أهل زمان منهم عالمُ ذلك الزمان. والجنُّ عالم، وكذلك سائر أجناس الخلق، كلّ جنس منها عالمُ زمانه. ولذلك جُمع فقيل: عالمون، وواحده جمعٌ، لكون عالم كلّ زمان من ذلك عالم ذلك الزمان" (٥)، قال العجاج (٦):

يا دار سلمى يا اسلمي ثم اسلمي ... فَخِنْدِفٌ هَامَةُ هَذَا الْعَالَمِ

واختُلِف في (العالم)، على أقوال (٧):

أحدها: أن العالم كل ما خلقه الله تعالى في الدنيا والآخرة، وهذا قول أبي إسحاق الزجَّاج (٨)، وقتادة (٩)، ومجاهد (١٠)، وابن عباس (١١) في رواية الضحاك عنه.

قال الثعلبي: "واحتجوا بقوله: {قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا} [الشعراء: ٢٣ - ٢٤] " (١٢).


(١) النكت والعيون: ١/ ٥٤.
(٢) الصواعق المرسلة: ٤/ ١٢٢٣.
(٣) انظر: الكشاف: ١/ ١٠.
(٤) التحرير والتنوير: ١/ ١٦٧.
(٥) تفسير الطبري: ١/ ١٤٣، وانظر: معاني القرآن للزجاج: ١/ ٤٦، والنكت والعيون: ١/ ٥٤.
(٦) ديوانه: ٦٠، وطبقات فحول الشعراء: ٦٤، وخندف: أم بني إلياس بن مضر، مدركة وطابخة، وتشعبت منهم قواعد العرب الكبرى.
(٧) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥٤ - ٥٥.
(٨) انظر: معاني القرآن: ١/ ٤٦.
(٩) حكاه عنه الثعلبي في تفسيره: ١/ ١١٢.
(١٠) حكاه عنه الثعلبي في تفسيره: ١/ ١١٢.
(١١) انظر: تفسير الطبري (١٥٦): ص ١/ ١٤٤.
(١٢) تفسير الثعلبي: ١/ ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>