للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو حيان: " هذا نهي تحريم، ألا ترى إلى الوعيد لمن كتمها؟ وموضع النهي حيث يخاف الشاهد ضياع الحق" (١).

قال ابن عثيمين: " أي لا تخفوا ما شهدتم به لا في أصله، ولا في وصفه؛ في أصله بأن ينكر الشهادة رأساً؛ وفي وصفه بأن يزيد فيها، أو ينقص" (٢).

قال الثعلبي: " وقرأ السلمي: {ولا يكتموا} بالياء ومثله {يعملون} " (٣).

قوله تعالى: {وَمَنْ يَكْتُمْهَا} [البقرة: ٢٨٣]، "يعني: ومن يكتم شهادته" (٤).

قال ابن عباس: " ومن الكبائر، كتمان الشهادة، لأن الله يقول: {ومن يكتمها فإنه آثم قلبه} " (٥).

وروي " عن سعيد بن جبير، في قول الله: {ومن يكتمها}، يعني الشهادة، لا يشهد بها إذا دعي لها، {فإنه آثم قلبه} " (٦).

قوله تعالى: {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣]، أي: " فإِن كتمانها إثم كبير، يجعل القلب آثماً وصاحبه فاجراً" (٧).

قال الثعلبي: " فاجر قلبه" (٨).

قال ابن عثيمين: " أي من يخفيها أصلاً، أو وصفاً، فقد وقع قلبه في الإثم" (٩).

قال أبو حيان: " كتم الشهادة هو إخفاؤها بالامتناع من أدائها، والكتم من معاصي القلب، لأن الشهادة علم قام بالقلب، فلذلك علق الإثم به" (١٠).

وقال المفسرون: ذكر الله تعالى على كتمان الشهادة نوعا من الوعيد لم يذكره في سائر الكبائر، وهو إثم القلب (١١)، ويقال: إثم القلب سبب مسخه، والله تعالى إذا مسخ قلبا جعله منافقا وطبع عليه، نعوذ بالله من ذلك" (١٢).

وذكر أهل العلم في تفسير قوله تعالى: {فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: ٢٨٣]، وجهين (١٣):

أحدهما: معناه فاجر قلبه، قاله السدي (١٤).


(١) البحر المحيط: ٢/ ٢٧١.
(٢) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٤٢٦.
(٣) تفسير الثعلبي: ٢/ ٢٩٩.
(٤) تفسير الطبري: ٦/ ٩٩.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٠٥١): ص ٢/ ٥٧١.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٠٥٢): ص ٢/ ٥٧٢.
(٧) صفوة التفاسير: ١/ ١٦١.
(٨) تفسير الثعلبي: ٢/ ٢٩٩.
(٩) تفسير ابن عثيمين: ٣/ ٤٢٧.
(١٠) البحر المحيط: ٢/ ٢٧١.
(١١) قال الزمخشري: " وما فائدة ذكر القلب - والجملة هي الآثمة لا القلب وحده -؟ قلت-الزمخشري-: كتمان الشهادة: هو أن يضمرها ولا يتكلم بها، فلما كان إثما مقترفا بالقلب أسند إليه، لأنّ إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ. ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد: هذا مما أبصرته عينى، ومما سمعته أذنى، ومما عرفه قلبي، ولأنّ القلب هو رئيس الأعضاء والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله، فكأنه قيل: فقد تمكن الإثم في أصل نفسه، وملك أشرف مكان فيه. ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان فقط، وليعلم أنّ القلب أصل متعلقه ومعدن اقترافه، واللسان ترجمان عنه. ولأنّ أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح وهي لها كالأصول التي تتشعب منها. ألا ترى أنّ أصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر، وهما من أفعال القلوب، فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنه من معاظم الذنوب". [الكشاف: ١/ ٢٢٩ - ٣٠٠].
(١٢) الوسيط: ١/ ٤٠٧.
(١٣) أنظر: النكت والعيون: ١/ ٣٥٩.
(١٤) أنظر: تفسير الطبري (٦٤٤٦): ٦/ ٩٩ - ١٠٠، وابن أبي حاتم (٣٠٥٣): ص ٢/ ٥٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>