للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه فإن ذلك ممّا {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها}، ولا يؤاخذ به. ودليل هذا التأويل قوله: {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: ٢٢٥] " (١).

الرابع: وقال جماعة: " {وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ} في الشهادة. قاله ابن عباس (٢)، وروي عن الشعبي (٣) وعكرمة (٤) ومقسم (٥)، مثل ذلك.

الخامس: وقيل: "من الاحتيال للربا" (٦).

قوله تعالى: {يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ} [البقرة: ٢٨٤]، أي: " فإِن الله يعلمه ويحاسبكم عليه" (٧).

قال ابن عثيمين: " أي يُطْلِعكم عليه على وجه المحاسبة؛ ولا يلزم من المحاسبة العقوبة" (٨).

قال الثعلبي: " ولم يقل: يؤاخذكم، والمحاسبة غير المعاقبة، والحساب ثابت والعقاب ساقط" (٩).

روي " عن ابن عباس: {يحاسبكم به الله}، يقول: يخبركم" (١٠).

وروي "عن عبد بن المبارك قال: قلت لسفيان: ليؤاخذ العبد بالهمّة، قال: إذا كان عزما أخذ بها" (١١).

قال ابن عطية: " معناه أن الأمر سواء، لا تنفع فيه المواراة والكتم، بل يعلمه ويحاسب عليه، وقوله: فِي أَنْفُسِكُمْ تقتضي قوة اللفظ أنه ما تقرر في النفس واعتقد واستصحبت الفكرة فيه، وأما الخواطر التي لا يمكن دفعها فليست في النفس إلا على تجوز" (١٢).

وقال الزحيلي: " والواقع أن هذه الآيةك {وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}، ليس المراد بها الحساب على الوساوس والخواطر، وإنما المقصود بها أن الله تعالى يعلم ويحاسب على ما استقر في النفوس من الخلق الراسخ الثابت كالحب والبغض، وكتمان الشهادة، وقصد الخير والسوء، مما هو مقدور للإنسان، وتكون آية: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها}، ليست ناسخة لهذه الآية، وإنما هي موضحة" (١٣).

وظاهر قول الله-عز وجل-: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} [البقرة: ٢٨٤] أن الله يجازي العباد بما أظهرته نفوسهم وما أضمرته، هذا معنى الآية على مقتضى اللغة، وقد اختلف أهل العلم فيها على أقوال:

أحدها: أنها محكمة مخصوصة، وأنها في الشهادة؛ لأنها جاءت بعد النهي عن كتمانها والوعيد عليه، ومعناها: إن تبدو أيها الشهود ما في نفوسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله (١٤)، قاله ابن عباس (١٥)، وداود (١٦)، وعكرمة (١٧)، والشعبي (١٨).


(١) تفسير الثعلبي: ١/ ٣٠١.
(٢) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٠٥٦): ص ٢/ ٥٧٢، وتفسير الطبري (٦٤٤٩)، و (٦٤٥٠): ص ٦/ ١٠٢، و (٦٤٥٤): ص ٦/ ١٠٣.
(٣) الطبري (٦٤٥٣): ص ٦/ ١٠٣، وأنظر: تفسير ابن أبي حاتم"٢/ ٥٧٢. ذكره دون سند.
(٤) أنظر: تفسير الطبري (٦٤٥١)، و (٦٤٥٢)، و (٦٤٥٥): ص ٦/ ١٠٣، وأنظر: تفسير ابن أبي حاتم"٢/ ٥٧٢. ذكره دون سند.
(٥) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم"٢/ ٥٧٢. ذكره دون سند.
(٦) حكاه أبو حيان في تفسيره: ٢/ ٢٧٣.
(٧) صفوة التفاسير: ١/ ١٦٣,
(٨) تفسير ابن عثيمين: ٣/ ٤٣٣.
(٩) تفسير الثعلبي: ٢/ ٣٠٢.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٠٦٤): ص ٢/ ٥٧٤.
(١١) تفسير الثعلبي: ٢/ ٣٠١.
(١٢) المحرر الوجيز: ١/ ٣٨٩.
(١٣) الكشاف: ١/ ١٦٧.
(١٤) أنظر: تفسير الثعلبي: ٢/ ٢٩٩.
(١٥) أنظر: تفسير الطبري (٦٤٤٩)، و (٦٤٥٠): ص ٦/ ١٠٢، و (٦٤٥٤): ص ٦/ ١٠٣.
(١٦) أنظر: تفسير الطبري (٦٤٥١): ص ٦/ ١٠٢.
(١٧) أنظر: تفسير الطبري (٦٤٥١)، (٦٤٥٢)، و (٦٤٥٥): ص ٦/ ١٠٢ - ١٠٣.
(١٨) أنظر: تفسير الطبري (٦٤٥٣): ص ٦/ ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>