للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوسع: "اسم لما يسع الإنسان ولا يضيق عنه" (١).

قال الفراء: (والوسع): "اسم في مثل معنى الوجد والجهد. ومن قال في مثل الوجد: الوجد، وفي مثل الجهد: الجهد قال في مثله من الكلام: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، ولو قيل: (وَسِعَها) لكان جائزا، ولم نسمعه" (٢).

وقد تعددت أقوال السادة أهل التفسير في معنى قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦]، على وجوه:

أحدها: ما أخرجه الطبري: " عن ابن عباس قوله: " {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، قال: هم المؤمنون، وسع الله عليهم أمر دينهم، فقال الله جل ثناؤه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨]، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [سورة البقرة: ١٨٥]، وقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [سورة التغابن: ١٦] " (٣). وروي عن الحسن (٤) مثل ذلك.

قال الواحدي: " وهذا أحسن ما قيل في تفسير هذه الآية، وذلك أن الوُسع دون الطاقة، والله تعالى كلفنا دون طاقتنا تفضلًا منه" (٥).

والثاني: وقيل: "وسعها، طاقتها، وكان حديث النفس مما لم يطيقوا". قاله السدي (٦).

والثالث: ما أخرجه ابن أبي حاتم: "عن سفيان: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، قال: في شأن النفقة إلا ما استطاعت" (٧).

قلت: وتلك المعاني متقاربة، تدور حول تفضله سبحانه وتعالى على عباده ألا يكلف نفساً إلا وسعها.

كما وذكر أهل التفسير في معنى قوله تعالى: {إِلَّا وُسْعَهَا} [االبقرة: ٢٨٦]، وجوها:

أحدها: {إلا وسعها}: أي: "إلا ما عملت لها". قاله الشعبي (٨).

والثاني: يعني: "لم يكلفوا من العمل ما لم يطيقوا". قاله كعب القرظي (٩)، وروي عن ابن حيان وأبي مالك والسدي وقتادة وزيد بن أسلم، نحو ذلك (١٠).

والثالث: وقيل يعني: في نفقة الرجل على أهله، ليس لها إلا ما وجد. روي نحوه عن عمر بن عبدالعزيز (١١).


(١) الوسيط للواحدي: ١/ ٤٠٩.
(٢) معاني القرآن: ١/ ١٨٨. هو قراءة ابن أبى عبلة، كما سيأتي.
(٣) تفسير الطبري (٦٥٠٢): ص ٦/ ١٣٠، وابن أبي حاتم (٣٠٨٠): ص ٢/ ٥٧٧، وعزاه في "الدر" ٢/ ١٣٣ إلى ابن المنذر، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨٦٧.
(٤) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٠٨٢): ص ٢/ ٥٧٧.
(٥) التفسير البسيط: ٤/ ٥٣٣.
(٦) أخرجه الطبري (٦٥٠٤): ص ٦/ ١٣٠.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٠٨١): ص ٢/ ٥٧٧.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٠٨٣): ص ٢/ ٥٧٨.
(٩) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٠٨٤): ص ٢/ ٥٧٨.
(١٠) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم: ٢/ ٥٧٨.
(١١) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٠٨٥): ص ٢/ ٥٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>