والرابع: وقيل يعني: {وسعها} في "أداء الفرائض". قاله سفيان الثوري (١).
وقد ذكر الماوردي في قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [االبقرة: ٢٨٦]، وجهين (٢).
أحدهما: وعدٌ من الله ورسوله وللمؤمنين بالتفصل على عباده ألا يكلف نفساً إلا وسعها. روي
والثاني: أنه إخبار من النبي (صلى الله عليه وسلم) ومن المؤمنين عن الله، على وجه الثناء
عليه، بأنه لا يكلف نفساً إلا وسعها.
قال الثعلبي: " وقرأ إبراهيم ابن أبي عبلة الشامي: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وَسِعَها}، بفتح الواو وكسر لسين على الفعل، يريد: إلّا وسعها أمره، أو أراد إلّا ما وسعها فحذف (ما) " (٣).
قال الواحدي: " وتقول القدرية: إن الله تعالى أخبر أنه لا يكلف العبد إلا ما يسعه، وإذا كلفه الإيمان وقضى عليه الكفرَ فقد كَلَّفَهُ ما لا يسعه، فيقال لهم: يلزمكم مثلُ هذا في العِلْم، لأنكم توافقوننا على أن الله تعالى إذا سبق في مَعْلُومه أن فلانًا يموت كافرًا فلا سبيل له إلى تبديل معلومه، فإذا كلفه الإيمان فقد كلفه ما لا يطيق، وهذا معنى قول الشافعي، رضي الله عنه: إذا سلمت لنا القدرية العلم خُصموا" (٤) " (٥).
قوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ} [البقرة: ٢٨٦]، أي لها" ما عملت من خير" (٦).
قال قتادة: " أي: من خير" (٧). وروي عن ابن عباس (٨)، والسدي (٩)، ومحمد بن كعب القرظي (١٠)، مثل ذلك.
قال الواحدي: " من العمل بالطاعة" (١١).
قال الثعلبي: " أي للنفس ما عملت من الخير والعمل الصالح، لها أجره وثوابه" (١٢).
قال الزمخشري: " ينفعها ما كسبت من خير .. ولا يثاب غيرها بطاعتها" (١٣).
قال ابن عثيمين: " أي ما عملت من خير، لا ينقص منه شيء" (١٤).
قوله تعالى: {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: ٢٨٦]، أي: وعليها" ما عملت من شر" (١٥).
قال قتادة: " أي: من شر - أو قال: من سوء" (١٦). وروي عن ابن عباس (١٧)، والسدي (١٨) مثل ذلك.
قال الواحدي: " من العمل بالإثم" (١٩)، " أي: لا يؤاخَذ أحد بذنب غيره" (٢٠).
(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٠٨٥): ص ٢/ ٥٧٨.
(٢) أنظر: النكت والعيون: ١/ ٣٦٣.
(٣) تفسير الثعلبي: ٢/ ٣٠٥ - ٣٠٦.
(٤) قول الشافعي، ذكره العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" ٢/ ٧٦ [ط. دار الكتب العلمية]. وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" ٢٣/ ٣٤٢، وروايته: ناظروا القدرية بالعلم؛ فإن أنكروه كفروا وإن أثبتوه خصموا.
(٥) التفسير البسيط: ٤/ ٥٣٣.
(٦) تفسير الطبري: ١/ ١٣١، وانظر: تفسير ابن كثير: ١/ ٧٣٧.
(٧) أخرجه الطبري (٦٥٠٥): ص ٦/ ١٣١، وانظر الخبر (٦٥٠٨): ص ٦/ ١٣١.
(٨) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٠٨٧): ٢/ ٥٧٨. ولفظه: " لها ما كسبت من العمل".
(٩) أنظر: تفسير الطبري (٦٥٠٦): ص ٦/ ١٣١.
(١٠) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٠٨٨): ٢/ ٥٧٨.
(١١) الوسيط: ١/ ٤٠٩.
(١٢) تفسير الثعلبي: ٢/ ٣٠٦.
(١٣) الكشاف: ١/ ٣٣٢.
(١٤) تفسير ابن عثيمين: ٣/ ٤٥١ - ٤٥٢.
(١٥) تفسير الطبري: ٦/ ١٣١.
(١٦) أخرجه الطبري (٦٥٠٥): ص ٦/ ١٣١. وانظر الخبر (٦٥٠٨): ص ٦/ ١٣١.
(١٧) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٠٩٠): ص ٢/ ٥٧٩. ولفظه: " فأنزل الله وعليها ما اكتسبت من العمل".
(١٨) أنظر: تفسير الطبري (٦٥٠٦): ص ٦/ ١٣١.
(١٩) الوسيط: ١/ ٤٠٩.
(٢٠) التفسير البسيط: ٤/ ٥٣٤.
