للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن ابن عباس: " كانوا في الجاهلية ينكحون عشرًا من النساء الأيامى، وكانوا يعظمون شأن اليتيم، فتفقدوا من دينهم شأن اليتيم، وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية، فقال: {وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع}، ونهاهم عما كانوا ينكحون في الجاهلية" (١).

والثاني: أخرج البخاري ومسلم (٢)، وأبو داود (٣)، والنسائي (٤)، وابن حبان (٥)، والدارقطني (٦)، والبيهقي (٧)، والطبري (٨)، وابن أبي حاتم (٩)، عن الزهري، قال: كان عروة بن الزبير، يحدث أنه سأل عائشة رضي الله عنها: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} [النساء: ٣]، قالت: هي اليتيمة في حجر وليها، فيرغب في جمالها ومالها، ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها، فنهوا عن نكاحهن، إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء، قالت عائشة: ثم استفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد، فأنزل الله عز وجل: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن} [النساء: ١٢٧]، قالت: " فبين الله في هذه الآية: أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال، ومال رغبوا في نكاحها، ولم يلحقوها بسنتها بإكمال الصداق، فإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء "، قال: فكما يتركونها حين يرغبون عنها، فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها، إلا أن يقسطوا لها الأوفى من الصداق ويعطوها حقها" (١٠).

والثالث: إن سبب نزولها، أن قريشاً في الجاهلية كانت تكثر التزويج بغير عدد محصور، فإذا كثر على الواحد منهم مؤن زوجاته، وقَلَّ مالُه، مدّ يده إلى ما عنده من أموال الأيتام، فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَاءِ}. وهذا معنى قول ابن عباس (١١).

قال ابن عباس: " فإن الرجل كان يتزوج بمال اليتيم ما شاء الله تعالى، فنهى الله عن ذلك" (١٢).

والرابع: أنهم كانوا يتوقَّون أموال اليتامى ولا يتوقَّون الزنى، فقال كما خفتم في أموال اليتامى، فخافوا الزنى، وانحكوا ما طاب لكم من النساء، وهذا قول مجاهد (١٣).

قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} [النساء: ٣]، أي: " وإن خفتم ألا تعدلوا في يتامى النساء اللاتي تحت أيديكم بأن لا تعطوهن مهورهن كغيرهن" (١٤).

قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: ٣]، أي: " فانكحوا ما شئتم من النساء سواهنَّ إِن شاء أحدكم اثنتين وإِن شاء ثلاثاً وإِن شاء أربعاً" (١٥).

قال الزجاج: أي: " فانكحوا الطيب الحلال على هذه العدة التي وصفت، لأن ليس

كل النساء طيبا، قال - عز وجل -: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: ٢٣] " (١٦).

قال يونس بن يزيد قال ربيعة في قول الله: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى}، قال يقول: اتركوهنّ، فقد أحللت لكم أربعًا" (١٧).

قال مقاتل: " ولما نزلت: {مثنى وثلاث ورباع} كان يومئذ تحت قيس بن الحارث ثمان نسوة، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: خل سبيل أربعة منهن، وأمسك أربعة. فقال للتي يريد إمساكها: أقبلي. وللتي لا يريد إمساكها: أدبري فأمسك أربعة وطلق أربعة" (١٨).

وفي قوله تعالى: {مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَاءِ} [النساء: ٣]، وجهان:

أحدهما: أن ذلك عائد إلى النساء وتقديره فانحكوا من النساء ما حلَّ. وهذا قول أبي مالك (١٩)، وسعيد بن جبير (٢٠)، والفراء (٢١).

والثاني: أن ذلك عائد إلى النكاح، وتقديره فانحكوا النساء نكاحاً طيباً. وهذا قول مجاهد (٢٢).

قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣]، " أي: فإِن خفتم من عدم العدول بين الزوجات فالزموا الاقتصار على واحدة، أواقتصروا على نكاح الإِماء لملك اليمين" (٢٣).

قال الطبري: أي: " فإن خفتم الجورَ في الواحدة أيضًا، فلا تنكحوها، ولكن عليكم بما ملكت أيمانكم" (٢٤).

عن الضحاك، قوله: " {فإن خفتم ألا تعدلوا}، قال: في المجامعة والحب" (٢٥).

قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: ٣]، " أي: ذلك الاقتصار على الواحدة أو على ملك اليمين أقرب ألا تميلوا وتجوروا" (٢٦).

قال مقاتل: " يقول: ذلك أجدر ألا تميلوا عن الحق في الواحدة وفي إتيان الولائد بعضهم على بعض" (٢٧).

قال الشافعي: " أن لا يكثر من تعولون، إذا اقتصر المرء على واحدة، وإن أباح - الله - له أكثر منها" (٢٨).

قال أبو عبيدة: " أي أقرب ألا تجوروا، تقول: علت علىّ أي جرت علىّ" (٢٩).

قال الطبري: أي: " فهو أقرب أن لا تجوروا ولا تميلوا" (٣٠).

وفي قوله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: ٣]، أربعة أقاويل:

أحدها: أن المعنى: أَلاَّ يكثر مَنْ تعولون، أي: ذلك أقل لنفقتك، الواحدة أقل من ثنتين وثلاث وأربع، وجاريتُك أهون نفقة من حُرة أن لا تعولوا، أهون عليك في العيال. وهذا قول زيد بن أسلم (٣١)، والشافعي (٣٢)، وأبو عمر محمد بن عبدالواحد اللغوي (٣٣)، والأخفش (٣٤).

والثاني: معناه ألاّ تميلوا عن الحق، وهو قول ابن إسحاق، ورواه عن مجاهد (٣٥).

والثالث: أن المعنى: ألا تفتقروا. قاله سفيان بن عيينة (٣٦).

والرابع: ألا تميلوا عن الحق وتجوروا. وهو قول ابن عباس (٣٧)، وعائشة (٣٨)، ومجاهد (٣٩)، وعكرمة (٤٠)، والحسن (٤١)، وأبي مالك (٤٢)، وإبراهيم النخعي (٤٣)، والشعبي (٤٤)، والضحاك (٤٥)، وعطاء


(١) تفسير الطبري (٨٤٧٢): ص ٧/ ٥٣٧ - ٥٣٨.
(٢) انظر: صحيح مسلم، كتاب التفسير، (٣٠١٨): ص ٤/ ٢٣١٣.
(٣) انظر: سنن أبي داود (٢٠٦٨): ص ٣/ ٤١١.
(٤) انظر: السنن الكبرى (٥٤٨٨): ص ٥/ ٢٢١.
(٥) انظر: صحيح ابن حبان (٤٠٧٣): ص ٩/ ٣٨٢.
(٦) انظر: سنن الدارقطني (٣٦٦٧): ص ٤/ ٣٩٤.
(٧) انظر: السنن الكبرى (١٣٨١٠): ص ٧/ ٢٢٨.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٨٤٥٧): ص ٧/ ٥٣١ - ٥٣٢.
(٩) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٧٤٥): ص ٣/ ٨٥٧.
(١٠) صحيح البخاري (٢٧٦٣): ص ٤/ ٩.
(١١) انظر: تفسير الطبري (٨٤٦٥): ص ٧/ ٥٣٥.
(١٢) أخرجه الطبري (٨٤٦٥): ص ٧/ ٥٣٥.
(١٣) انظر: تفسير الطبري (٨٤٧٥): ص ٧/ ٥٣٩، وانظر: النكت والعيون: ٢/ ٤٤٨ - ٤٤٩.
(١٤) التفسير الميسر: ٧٧.
(١٥) صفوة التفاسير: ٢٣٧.
(١٦) معاني القرآن: ٢/ ٨.
(١٧) تفسير الطبري (٨٤٥٧): ص ٧/ ٥٣١ - ٥٣٢.
(١٨) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٥٧.
(١٩) انظر: تفسير الطبري (٨٤٧٩): ص ٧/ ٥٤٢.
(٢٠) انظر: تفسير الطبري (٨٤٨٠): ص ٧/ ٥٤٢.
(٢١) انظر: معاني القرآن: ٢/ ٢٥٣ - ٢٥٤، و ٣/ ٢٦٣.
(٢٢) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٧٥٤): ص ٣/ ٨٥٨.
(٢٣) صفوة التفاسير: ٢٣٧.
(٢٤) تفسير الطبري: ٧/ ٥٤٠.
(٢٥) أخرجه الطبري (٨٤٨٥): ص ٧/ ٥٤٨.
(٢٦) صفوة التفاسير: ٢٣٧.
(٢٧) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٥٧.
(٢٨) تفسير الإمام الشافعي: ٢/ ٥١٦.
(٢٩) مجاز القرآن: ١/ ١١٧.
(٣٠) تفسير الطبري: ٧/ ٥٤٨.
(٣١) انظر: تفسير الطبري (٨٥٠٥): ص ٧/ ٤٥٢، وتفسير ابن أبي حاتم (٤٧٦٣): ص ٣/ ٨٦٠.
(٣٢) انظر: تفسير الإمام الشافعي: ٢/ ٥١٦، والنكت والعيون: ٢/ ٤٥٠.
(٣٣) انظر: تفسير الإمام الشافعي: ٢/ ٥١٦.
(٣٤) انظر: معاني القرآن: ١/ ٣٥٦.
(٣٥) انظر: تفسير ابن المنذر (١٣٣٤): ص ٢/ ٥٥٧.
(٣٦) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٧٦٤): ص ٣/ ٨٦٠.
(٣٧) انظر: تفسير الطبري (٨٥٠٠): ص ٧/ ٥٥١.
(٣٨) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٧٦١): ص ٣/ ٨٦٠.
(٣٩) انظر: تفسير الطبري (٨٤٨٧) - (٨٤٨٩): ص ٥/ ٥٤٩، و (٨٥٠٤): ص ٥/ ٥٥٢.
(٤٠) انظر: تفسير الطبري (٨٤٩٠): ص ٥/ ٥٤٩ - ٥٥٠.
(٤١) انظر: تفسير الطبري (٨٤٨٦): ص ٥/ ٥٤٩.
(٤٢) انظر: تفسير الطبري (٨٤٩٥): ص ٧/ ٥٥١.
(٤٣) انظر: تفسير الطبري (٨٤٩٢): ص ٥/ ٥٥٠.
(٤٤) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٦٧١): ص ٣/ ٨٦٠.
(٤٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٦٧١): ص ٣/ ٨٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>