للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال مقاتل بن حيان: "قوله: {وآتوا النساء}، يقول: أعطوا النساء" (١).

قال ابن زيد: ": النحلة في كلام العرب، الواجب يقول: لا ينكحها إلا بشيء واجب لها، صدقة يسميها لها واجبة، وليس ينبغي لأحد أن ينكح امرأة، بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا بصداقٍ واجب، ولا ينبغي أن يكون تسمية الصداق كذبًا بغير حق" (٢).

أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن عبد الرحمن بن البيلماني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وآتوا النساء صدقاتهن نحلة قالوا: يا رسول الله، فما العلائق بينهن؟ قال: ما يراضي عليه أهلوهم" (٣).

قال الإمام الشافعي: " فجعل الله إيتاءهن ما فرض لهن من فريضة على أزواجهن، يدفعونه إليهن، دفعهم إلى غيرهم من الرجال، ممن وجب له عليهم حق بوجه" (٤).

وقد اختلف فِيمَنْ توجَّه إليه هذا الخطاب على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه متوجه إلى الأزواج، أمروا بإيفاء نسائهن مهورهن التي هي أثمان فروجهن، وهو قول الأكثرين (٥).

والثاني: أنه متوجه إلى أولياء النساء، لأنهم كانوا يتملكون في الجاهلية صداق المرأة، فأمر الله بدفع صدقاتهن إليهن، وهو قول أبي صالح" (٦)، وجماعة من العلماء (٧).

والثالث: أن المراد بالآية المتشاغرون الذين كانوا يتزوجون امرأة بأخرى، فأمروا أن يضربوا المهور. وهذا معنى قول الحضرمي (٨).

قال الثعلبي: "والقول الأول أصح وأوضح بظاهر الآية وأشبه، لأن الله تعالى خاطب الناكحين فيما قبله، وهذا أصل خطابهم" (٩).

قال ابن عطية: " والآية تتناول هذه الفرق الثلاث" (١٠).

وقال الكلبي وجماعة من العلماء: "هذا خطاب للأولياء، وذلك أن ولي المرأة كان إذا زوجها غريبا حملوها إليه على بعير ولا يعطونها من مهرها شيء، فإن كانت معهم في العشيرة لم يعطها من مهرها قليلا ولا كثيرا، وإن كانت غريبة حملها على بعير إلى زوجها ولم يعطها شيئا غير ذلك البعير، ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له بنت: «هنيئا لك النافجة» (١١)، يريدون أنه يأخذ مهرها إبلا فيضمها إلى إبله فينتفجها أي يعظمها ويكثرها، قال بعض النساء في زوجها: «لا تأخذ الحلوان من بناتها»، تقول: لا يفعل ما يفعله غيره، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك وأمرهم بأن يدفعوا الحق إلى أهله" (١٢).

وأما النَّحلة فهي العطية من غير بدل، وسمي الدين نِحْلَةَ، لنه عطية من الله (١٣)، وفي تسميه النّحْل بذلك قولان (١٤):

أحدهما: أنه سمي نحلاً لما يعطي من العسل.

والثاني: لأن الله تعالى نَحَلهُ عباده.

وفي المراد بالنَّحلة في الصداق خمسة تأويلات:

أحدها: يعني فريضة مُسَمَّاة، وهو قول قتادة (١٥)، وابن جريج (١٦)، ومقاتل بن حيان (١٧)، وروي عن أمّنا عائشة-رضي الله عنها، قالت: "واجبة" (١٨).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٧٦٦): ص ٣/ ٨٦٠.
(٢) أخرجه الطبري (٨٥٠٩): ص ٧/ ٥٥٣.
(٣) تفسير ابن أبي حاتم (٤٧٦٧): ص ٣/ ٨٦١.
(٤) تفسير الإمام الشافعي: ٢/ ٥١٩.
(٥) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٤٩، والنكت والعيون: ٢/ ٤٥١.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٨٥١٠): ص ٧/ ٥٥٣.
(٧) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٤٩.
(٨) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٤٩، والمحرر الوجيز: ٢/ ٨.
(٩) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٤٩.
(١٠) المحرر الوجيز: ٢/ ٨.
(١١) لنافجة: المعظمة لمال أبيها، قاله في الصحاح: ١/ ٣٤٥ ..
(١٢) تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٤٩.
(١٣) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٤٥١.
(١٤) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٤٥١.
(١٥) انظر: تفسير الطبري (٨٥٠٦): ص ٧/ ٥٥٢ - ٥٥٣.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (٨٥٠٨): ص ٧/ ٥٥٣.
(١٧) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٧٦٩): ص ٣/ ٨٦١.
(١٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٧٦٩): ص ٣/ ٨٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>