للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرج ابن المنذر من طريق سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة، أنه كان يقول لامرأته: " أطعمينا من ذاك الهنيء المريء، ثم قال سفيان: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} " (١).

قال الماتريدي: " وفي الآية دلالة جواز هبة المرأة من زوجها، وفساد قول من لا يجيز هبة المرأة بمالها حتى تلد أو تبقى في بيته سنة؛ فيجوز أمرها.

وفي الآية -أيضا-: دليل أن المهر لها؛ حيث أضاف الإحلال والهبة إليهن بقوله: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} " (٢).

قال الإمام الشافعي: " وحل للرجال ممل ما طاب نساؤهم عنه نفساً ... وقال عزَّ وجلَّ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} الآية، فبيَن الله - عزَّ وجلَّ في كتابه، أن مال المرأة ممنوع من زوجها - الواجب الحق عليها-إلا بطيب نفسها وأباحه بطيب نفسها؛ لأنَّها مالكة لمالها، ممنوع بملكها، مباح بطيب نفسها كما قضى الله - عزَّ وجلَّ في كتابه، وهذا بين أن كل من كان مالكا فماله ممنوع به، محرّم إلا بطيب نفسه بإباحته، فيكون مباحاً بإباحة مالكه له، لا فرق بين المرأة والرجل، وبين أن سلطان المرأة على مالها، كسلطان الرجل على ماله، إذا بلغت المحيض وجمعت الرشد" (٣).

ذكر صاحب الكشاف عن الشعبي: "أن رجلا أتى مع امرأته شريحا في عطية أعطتها إياه وهي تطلب أن ترجع، فقال شريح: رد عليها. فقال الرجل: أليس قد قال الله تعالى: {فإن طبن لكم}، قال: لو طابت نفسها عنه لما رجعت فيه. وعنه: أقيلها فيما وهبت ولا أقيلة، لأنهن يخدعن" (٤).

و"حكى أن رجلا من آل معيط أعطته امرأته ألف دينار صداقا كان لها عليه، فلبث شهرا ثم طلقها، فخاصمته إلى عبد الملك بن مروان، فقال الرجل: أعطتنى طيبة بها نفسها، فقال عبد الملك: فأين الآية التي بعدها فلا تأخذوا منه شيئا؟ اردد عليها" (٥).

وعن عمر رضى الله عنه أنه كتب إلى قضاته: «أن النساء، يعطين رغبة ورهبة، فأيما امرأة أعطت زوجها فشاءت أن ترجع رجعت» (٦).

وقرىء: {هنيا مريا}، دون همز، وهي قراءة الحسن بن أبي الحسن والزهري (٧).

الفوائد:

١ - وجوب مهور النساء وحرمة الأكل منها بغير طيب نفس صاحبة المهر وسواء في ذلك الزوج، وهو المقصود في الآية أو الأب والأقارب.

٢ - ومنها: أن المهر يدفع إلى المرأة إذا كانت مكلفة، وأنها تملكه بالعقد، لأنه أضافه إليها، والإضافة تقتضي التمليك (٨).

٣ - وفي قوله: {فكلوه هنيئا مريئا} دليل على أن للمرأة التصرف في مالها -ولو بالتبرع- إذا كانت رشيدة، فإن لم تكن كذلك فليس لعطيتها حكم، وأنه ليس لوليها من الصداق شيء، غير ما طابت به (٩).

القرآن

{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (٥)} [النساء: ٥]

التفسير:

ولا تؤتوا -أيها الأولياء- من يُبَذِّر من الرجال والنساء والصبيان أموالهم التي تحت أيديكم فيضعوها في غير وجهها، فهذه الأموال هي التي عليها قيام حياة الناس، وأنفقوا عليهم منها واكسوهم، وقولوا لهم قولا معروفًا من الكلام الطيب والخلق الحسن.


(١) تفسير ابن المنذر (١٣٤٨): ص ٢/ ٥٦١، وانظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٧٨١): ص ٣/ ٨٦٢.
(٢) تفسير الماتريدي: ٣/ ١٤.
(٣) تفسير الإمام الشافعي: ٢/ ٥١٨ - ٥١٩.
(٤) الكشاف: ١/ ٤٧٠.
(٥) الكشاف: ١/ ٤٧٠.
(٦) مصنف عبدالرزاق (١٦٥٦٢): ص ٩/ ١١٤، وكنز العمال: (٤٦٢٢٤): ص ١٦/ ٦٤٩.، وروضة المحدثين: (٩٩٩): ص ٣/ ٢٢٤، وقال: "اسناده منقطع".
(٧) انظر: المحرر الوجيز: ٢/ ٩.
(٨) انظر: تفسير السعدي: ١٦٣.
(٩) انظر: تفسير السعدي: ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>