للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنه عنى به أموال السفهاء، وإنّما أضاف إلى الأولياء فقال: {أموالكم}، لأنهم قوّامها ومدبروها، وهو قول سعيد بن جبير (١).

قال الطبري: " وقد يدخل في قوله: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}، أموالُ المنهيِّين عن أن يؤتوهم ذلك، وأموال السفهاء، لأن قوله: {أموالكم}، غير مخصوص منها بعض الأموال دون بعض. ولا تمنع العرب أن تخاطب قومًا خِطابًا، فيخرج الكلام بعضه خبر عنهم، وبعضه عن غُيَّب، وذلك نحو أن يقولوا: أكلتم يا فلان أموالكم بالباطل، فيخاطب الواحد خطاب الجمع، بمعنى: أنك وأصحابك أو وقومك أكلتم أموالكم. فكذلك قوله: {ولا تؤتوا السفهاء}، معناه: لا تؤتوا أيها الناس، سفهاءكم أموالكم التي بعضها لكم وبعضها لهم، فيضيعوها" (٢).

وقال الزجاج: " كذلك قال أصحابنا البصريون بل السفيه أحق بالهبة لتعذر الكسب عليه، ولو منعنا من الهبة لهم لما جاز أن نورثهم، وإنما معنى: {ولا تؤتوا السفهاء أموالكم}، لا تؤتوا السفهاء أموالهم، والدليل على ذلك قوله: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ}، وقوله: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦]، وإنما قيل أموالكم لأن معناه الشيء الذي به قوام أمركم، كما قال الله: {ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: ٨٥]، ولم يكن الرجل منهم يقتل نفسه، ولكن كان بعضهم يقتل بعضا، أي تقتلون الجنس الذي هو جنسكم" (٣).

قال الضحاك: " {قياما}، قال: عصمة لدينكم وقياما لكم" (٤).

وروي عن أبي مالك أنه قال: "قيامك بعد الله" (٥).

قال أبو عبيدة: " {التي جعل الله لكم قياما}، مصدر يقيمكم، ويجيئ في الكلام في معناه: قوام فيكسر، وإنما هو من الذي يقيمك، وإنما أذهبوا الواو لكسرة القاف، وتركها بعضهم، كما قالوا: ضياء للناس، وضواء للناس" (٦).

وقرئت: {اللاتي جعل الله لكم قياما} (٧)، وقرأ نافع وابن عُمر: {قِيَماً}، ومعناهما واحد، يريد أنها قُوامُ معايشكم سفائكم (٨).

قوله تعالى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} [النساء: ٥]، "أي: وأطعموهم منها واكسوهم" (٩).

قال ابن عباس: " {وارزقوهم} أنفقوا عليهن " (١٠).

قال الماتريدي: " يقول: لا تؤتوهم، ولكن ارزقوهم أنتم واكسوهم.

وقيل: يقول: أنفقوا عليهم منها، وأطعموهم.

وقيل: لما أضاف الأموال إلى الدافعين لا إلى المدفوعة إليهم؛ دل على وجوب نفقة الولد وكسوته على الرجل" (١١).

قال الثعلبي: " أي أطعموهم واكسوهم لمن يجب عليكم رزقه ويلزمكم نفقته، والرزق من الله عز وجل عطية غير محدودة، ومن الناس الإجراء الموظف بوقت محدود، يقال: ررزق فلان عياله كذا وكذا، أي أجرى عليهم، وإنما قال: فيها، ولم يقل: منها، لأنه أراد أن يجعل لهم فيها رزقا، كأنه أوجب عليهم ذلك" (١٢).

قوله تعالى: {وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [النساء: ٥]، أي: وقولوا لهم" قولاً ليناً" (١٣).

قال الثعلبي: أي: " عدة جميلة" (١٤).


(١) انظر: تفسير الطبري (٨٥٥٧): ص ٧/ ٥٦٧ - ٥٦٨.
(٢) تفسير الطبري: ٧/ ٥٦٨.
(٣) معاني القرآن: ٢/ ١٤.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٧٩٢): ص ٣/ ٨٦٤.
(٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٧٩٢): ص ٣/ ٨٦٤.
(٦) أخرجه ابن المنذر (١٣٦١): ص ٢/ ٥٦٥.
(٧) انظر: معاني القرآن للزجاج: ٢/ ١٤.
(٨) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٤٥٣.
(٩) صفوة التفاسير: ٢٣٧.
(١٠) أخرجه ابن المنذر (١٣٦٢): ص ٢/ ٥٦٥.
(١١) تفسير الماتريدي: ٣/ ٢٠.
(١٢) تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٥٣.
(١٣) صفوة التفاسير: ٢٣٧.
(١٤) تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>