للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الراغب: " أي: متجاوزين حد القصد المباح لكم، ومبادرة أن يكبروا، فيمنعوا

أموالهم" (١).

قال السمين الحلبي: " أي مسارعة يعني أنهم كانوا يسرعون في أكل أموال اليتامى ويبادرون، ولذلك كرههم لئلا ينزعوها منهم" (٢).

قال الطبري: " {إسرافا}، أي: بغير ما أباحه الله لك ... يقول: لا تأكلوا أموالهم إسرافًا - يعني ما أباح الله لكم أكله - ولا مبادرة منكم بلوغَهم وإيناسَ الرشد منهم، حذرًا أن يبلغوا فيلزمكم تسليمه إليهم " (٣).

قال الحسن: " يقول: لا تسرف فيها" (٤).

قال ابن عباس: " {ولا تأكلوها إسرافا وبدارا}، يعني: تأكل مال اليتيم" (٥).

وفي رواية اخرى عن ابن عباس أيضا: " {وبدارا}، يعني، يأكل مال اليتيم ببادرة، فعند أن يبلغ فيحول بينه وبين ماله" (٦). وروي عن السدي نحو ذلك (٧).

عن سعيد بن جبير: " {ولا تأكلوها إسرافا}، يعني: في غير حق" (٨)، " أن يكبروا قال: خشية أن يبلغ الحلم فيأخذ ماله" (٩)، وروي عن مقاتل بن حيان نحو ذلك (١٠).

وقال السدي: " يسرف في الأكل" (١١).

فهذا نهي للأولياء والأوصياء، عن أكل أموال اليتامى: مسرفين في الإنفاق منها، ومتعجلين أكلها، مخافة أن يكبروا فينتزعوها من أيديهم. فإن الكثير من الأولياء، يستعجل بعض التصرفات التي يكون لهم فيها منفعة، حتى لا تفوتهم إذا كبر اليتيم وتسلَّم ماله (١٢).

وأصل "الإسراف": تجاوز الحد المباح إلى ما لم يُبَحْ. وربما كان ذلك في الإفراط، وربما كان في التقصير، غير أنه إذا كان في الإفراط، فاللغة المستعملة فيه أن يقال: أسْرف يُسرف إسرافًا وإذا كان كذلك في التقصير، فالكلام منه: سَرِف يَسْرَفُ سَرَفًا، يقال: مررت بكم فسَرَفْتكم، يراد منه: فسهوت عنكم وأخطأتكم، كما قال جرير (١٣):

أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةٌ ... مَا فِي عَطَائِهِمُ مَنٌّ وَلا سَرَفُ

فقوله: "ولا سرف"، أي: ولا خطأ فيه، يراد به: أنهم يصيبون مواضع العطاء فلا يخطئونها (١٤).

قال الراغب: " السرف: تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر. قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا} [الفرقان: ٦٧] " (١٥).

قال الماتريدي: " الإسراف: هو كل ما نهي عنه، وقيل: الإسراف: هو أكل في غير حق؛ وكأن الإسراف هو المجاوزة عن الحد، وهو كقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا} [الفرقان: ٦٧]، وكان القتر مذموما، فعلى ذلك الإسراف في النفقة في مال اليتيم، وقوله - تعالى -: {إسرافا وبدارا}، قيل: البدار: هو المبادرة، وكلاهما لغتان، كالجدال والمجادلة، وهو أن يبادر بأكل مال اليتيم؛ خشية أن يكبر؛ فيحول بينه وبين ماله" (١٦).

وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه -: " ولا تأكلوها إسرافا وبدارا خشية أن يكبروا " (١٧).


(١) تفسير الراغب الأصفهاني: ٣/ ١١٠٥.
(٢) عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الالفاظ: ١/ ١١٦.
(٣) تفسير الطبري: ٧/ ٥٧٨ - ٥٨٠
(٤) أخرجه الطبري (٨٥٨٨): ص ٧/ ٥٧٨.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٨١٠): ص ٣/ ٨٦٦.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٨١٣): ص ٣/ ٨٦٧.
(٧) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٨١٣): ص ٣/ ٨٦٧.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٨١١): ص ٣/ ٨٦٦.
(٩) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٨١٤): ص ٣/ ٨٦٧.
(١٠) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٨١١): ص ٣/ ٨٦٦ ..
(١١) أخرجه الطبري (٨٥٨٩): ص ٧/ ٥٧٨ - ٥٧٩
(١٢) التفسير الوسيط، مجمع البحوث: ٢/ ٧٥٥.
(١٣)) ديوانه: ٣٨٩، وطبقات فحول الشعراء: ٣٥٩، والاشتقاق: ٢٤١، واللسان (هند) (سرف)، وغيرها.
(١٤) انظر: تفسير الطبري: ٧/ ٥٧٩.
(١٥) المفردات في غريب القرآن: ٤٠٧.
(١٦) تفسير الماتريدي: ٣/ ٢٥.
(١٧) تفسير الماتريدي: ٣/ ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>