للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والراجح-والله أعلم- أن هذه الآية محكمة غير منسوخة، "وإنما عنى بها الوصية لأولي قربى الموصي وعنى باليتامى والمساكين: أن يقال لهم قول معروف" (١).

قال ابن العربي: "وأكثر أقوال المفسرين أضغاث وآثار ضعاف، والصحيح أنها مبينة استحقاق الورثة لنصيبهم، واستحباب المشاركة لمن لا نصيب له منهم بأن يسهم لهم من التركة ويذكر لهم من القول ما يؤنسهم وتطيب به نفوسهم. وهذا محمول على الندب من وجهين:

أحدهما: أنه لو كان فرضا لكان ذلك استحقاقا في التركة ومشاركة في الميراث لأحد الجهتين معلوم وللآخر مجهول؛ وذلك مناقض للحكمة وإفساد لوجه التكليف.

الثاني: أن المقصود من ذلك الصلة، ولو كان فرضا يستحقونه لتنازعوا منازعة القطيعة" (٢).

وقال الحافظ في الفتح وهو يناقش الآثار المروية عن ابن عباس في الباب –"أن ما روى البخاري عن ابن عباس من طريق عكرمة وسعيد بن جبير - وهو إحكام الآية - وهو المعتمد عليه وبقية الروايات كلها وردت من أوجه لا يعتمد عليها، والذي ثبت عن ابن عباس في الباب إحكام الآية لا نسخها" (٣).

وفي السياق نفسه قال الزجاج: " وقد أجمعوا أن الأمر بالقسمة من الميراث للقرابة والمساكين واليتامى قد أمر بهما، ولم يجمعوا على نسخها، والأمر في ذلك على ما أجمع عليه، والله أعلم" (٤).

الفوائد:

١ - أن هذه الآية ضمن أحكام الله الحسنة الجليلة الجابرة للقلوب.

٢ - وجوب النصح والإرشاد للمحتضر حتى لا يجور في وصيته عند موته، إذ تضمنت الآية: إرشاد الله تعالى للمؤمن الذي يحضر مريضاً على فراش الموت بأن لا يسمح له أن يحيف في الوصية بأن يوصي لوارث أو يوصي بأكثر من الثلث أو يذكر ديناً ليس عليه، وإنما يريد حرمان الورثة.

٣ - أن كل من له تطلع وتشوف إلى ما حضر بين يدي الإنسان، ينبغي له أن يعطيه منه ما تيسر، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا أتى أحدكم خادمه بطعام، فليجلسه معه، وليناوله لقمة أو لقمتين، أو أكلة أو أكلتين، فإنه ولي حره ودخانه" (٥).

قال الشيخ السعدي: "وكان الصحابة رضي الله عنهم -إذا بدأت باكورة أشجارهم- أتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرك عليها، ونظر إلى أصغر وليد عنده فأعطاه ذلك، علما منه بشدة تشوفه لذلك، وهذا كله مع إمكان الإعطاء" (٦).

القرآن

{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٩)} [النساء: ٩]

التفسير:

ولْيَخَفِ الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ضعافًا خافوا عليهم الظلم والضياع، فليراقبوا الله فيمن تحت أيديهم من اليتامى وغيرهم، وذلك بحفظ أموالهم، وحسن تربيتهم، ودَفْع الأذى عنهم، وليقولوا لهم قولا موافقا للعدل والمعروف.

في سبب نزول الآية:

أخرج الطبري، وابن أبي حاتم (٧)، وابن المنذر (٨)، عن ابن عباس، قال: "فهذا في الرجل يحضره الموت فيسمعه يوصي بوصية تضر بورثته، فأمر الله سبحانه الذي سمعه أن يتقي الله ويوفقه ويسدده للصواب، ولينظر لورثته كما كان يحب أن يُصنع لورثته إذا خشي عليهم الضيَّعة" (٩).


(١) تفسير الطبري: ٨/ ١٢.
(٢) أحكام القرآن: ١/ ٤٢٨.
(٣) فتح الباري ٩/ ٢١٠.
(٤) معاني القرآن: ٢/ ١٦.
(٥) أخرجه أحمد: (٩٢٩٦): ص ٢/ ٤٠٩، و (٩٥٥٤): ص ٢/ ٤٣٠، والدارمي (٢٠٧٤)، والبخاري (٢٥٥٧)، و (٥٤٦٠).
(٦) تفسير السعدي: ١٦٥.
(٧) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٨٧٤): ص ٣/ ٨٧٧.
(٨) تفسير ابن المنذر (١٤٢٥): ص ٢/ ٥٨٤.
(٩) تفسير الطبري (٨٧٠٧): ص ٨/ ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>