للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: ٩]، أي: " ولْيَخَفِ الذين لو ماتوا وتركوا من خلفهم أبناء صغارًا ضعافًا خافوا عليهم الظلم والضياع" (١).

قال البغوي: " {ضعافا}، أي: أولادا صغارا، {خافوا عليهم} الفقر، هذا في الرجل يحضره الموت، فيقول من بحضرته: انظر لنفسك فإن أولادك وورثتك لا يغنون عنك شيئا، قدم لنفسك، أعتق وتصدق وأعط فلانا كذا وفلانا كذا، حتى يأتي على عامة ماله، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، وأمرهم أن يأمروه أن ينظر لولده ولا يزيد في وصيته على الثلث، ولا يجحف بورثته كما لو كان هذا القائل هو الموصي يسره أن يحثه من بحضرته على حفظ ماله لولده، ولا يدعهم عالة مع ضعفهم وعجزهم" (٢).

قال سعيد بن جبير: " قوله: {من خلفهم}، يعني: من بعد موتهم" (٣)، قوله: {ذرية ضعافا}، قال: ذرية ضعفاء" (٤)، يعني: "عجزة لا حيلة لهم" (٥)، "قوله: {خافوا عليهم}، يعني: على ولد الميت الضيعة كما يخافون على ولد أنفسهم" (٦).

قال قتادة: " يقول: من حضر ميتًا فليأمره بالعدل والإحسان، ولينهه عن الحَيْف والجور في وصيته، وليخش على عياله ما كان خائفًا على عياله لو نزل به الموت (٧).

قال ابن عباس: " يعني: الرجل يحضره الموت فيقال له: تصدق من مالك، وأعتق، وأعط منه في سبيل الله، فنهوا أن يأمروا بذلك، يعني: أن من حضر منكم مريضا عند الموت فلا يأمره أن ينفق ماله في العتق أو في الصدقة أو في سبيل الله، ولكن يأمره أن يبين ماله وما عليه من دين، ويوصي من ماله لذوي قرابته الذين لا يرثون، يوصي لهم بالخمس أو الربع، يقول: أليس أحدكم إذا مات وله ولد ضعاف، يعني: صغارا أن يتركهم بغير مال، فيكونون عيالا على الناس، ولا ينبغي لكم أن تأمروه بما لا ترضون به لأنفسكم ولا أولادكم، ولكن قولوا الحق من ذلك" (٨).

وقال الكلبي: "هذا الخطاب لولاة اليتامى يقول: من كان في حجره يتيم فليحسن إليه وليأت إليه في حقه ما يجب أن يفعل بذريته من بعده" (٩).

قال أبو السعود: " أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه في أمر اليتامى فيفعلوا بهم ما يحبون أن يفعل بذراريهم الضعاف بعد وفاتهم أو لمن حضر المريض من العواد عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم أو يخشوا أولاد المريض ويشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم فلا يتركوه أن يضر بهم بصرف المال عنهم أو للورثة بالشفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب واليتامى والمساكين متصورين أنهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم هل يجوزون حرمانهم أو للموصين بأن ينظروا للورثة فلا يسرفوا في الوصية ولو بما في حيزها صلة للذين على معنى وليخش الذين حالهم وصفتهم أنهم لو شارفوا أن يخلفوا ورثة ضعافا خافوا عليهم الضياع وفي ترتيب الأمر عليه إشارة إلى المقصود إلى المقصود منه والعلة فيه وبعث على النساء الترحم وأن يحب لأولاد غيره ما يحب لأولاد نفسه وتهديد للمخالف بحال أولاده" (١٠).

وقرأ حمزة وحده {ضعفا} بإمالة العين، وكذلك {خافوا}، بإمالة الخاء، واختلف عنه في الإمالة، فروى عنه عبيد الله بن موسى {ضعفا} بالفتح، وروى خلف عن سليم بن عيسى عنه بالكسر (١١).

قوله تعالى: {فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: ٩]، أي: "فليتقوا الله في أمر اليتامى، وليقولوا لهم قولا موافقا للعدل والمعروف" (١٢).

قال مقاتل: " يعني عدلا فليأمره بالعدل في الوصية فلا يحرفها ولا يجر فيها" (١٣).


(١) التفسير الميسر: ٧٨.
(٢) تفسير البغوي: ٢/ ١٧١.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٨٧٠): ص ٣/ ٨٧٧.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٨٧١): ص ٣/ ٨٧٧.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٨٧٢): ص ٣/ ٨٧٧.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٨٧٣): ص ٣/ ٨٧٧.
(٧) انظر: تفسير الطبري (٨٧٠٩): ص ٨/ ٢٠.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٨٦٩): ص ٣/ ٨٧٧.
(٩) تفسير البغوي: ٢/ ١٧١.
(١٠) تفسير أبي السعود: ٢/ ١٤٧ - ١٤٨.
(١١) انظر: السبعة في القراءات: ٢٢٧.
(١٢) انظر: التفسير الميسر: ٧٨، وصفوة التفاسير: ٢٣٨.
(١٣) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>