للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ - وفي الآية إشعار أن جزاء الإحسان الإحسان وهذا واضح {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: ٩]، فإن ما تصنعه مع أولاد الناس يصنعه الناس مع أولادك، وإن لم تكن صريحة في المعنى لكنها تدل عليه بقوة (١).

٤ - أن القول السديد سبب في صلاح الاعمال، كما أن القول المعوج سبب في فسادها، ومن ذلك قول الله سبحانه: {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [الأحزاب: ٧٠ - ٧١].

القرآن

{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (١٠)} [النساء: ١٠]

التفسير:

إن الذين يعْتَدون على أموال اليتامى، فيأخذونها بغير حق، إنما يأكلون نارًا تتأجّج في بطونهم يوم القيامة، وسيدخلون نارا يقاسون حرَّها.

في سبب نزول الآية:

نقل الواحدي والثعلبي (٢)، عن مقاتل بن حيان: "نزلت في رجل من غطفان يقال له: مرثد بن زيد، ولي مال ابن أخيه وهو يتيم صغير، فأكله، فأنزل الله فيه هذه الآية" (٣).

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: ١٠]، أي: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى بدون حق" (٤).

قال سعيد بن جبير: " قوله: {ظلما}، يعني: استحلالا بغير حق" (٥).

قال ابن كثير: " أي: إذا أكلوا أموال اليتامى بلا سبب" (٦).

قال السعدي: " أي: بغير حق. وهذا القيد يخرج به ما تقدم، من جواز الأكل للفقير بالمعروف، ومن جواز خلط طعامهم بطعام اليتامى" (٧).

قال الماوردي: " عبر عن الأخذ بالأكل لأنه مقصود الأخذ" (٨).

قال الزجاج: " في هذا - أعني في قوله {يأكلون أموال اليتامى} - دليل أن مال اليتيم إن

أخذ منه على قدر القيام له ولم يتجاوز ذلك جاز، بل يستظهر فيه إن أمكن ألا يقرب ألبتة لشدة الوعيد فيه، بأن لا يؤكل منه إلا قرضا، وإن أخذ القصد وقدر الحاجة على قدر نفعه فلا بأس إن شاء الله" (٩).

قوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: ١٠]، أي: "ما يأكلون في الحقيقة إِلا ناراً تتأجج في بطونهم يوم القيامة" (١٠).

قال ابن كثير: أي: "فإنما يأكلون نارًا تَأجَّج في بطونهم يوم القيامة" (١١).

قال السعدي: " أي: فإن الذي أكلوه نار تتأجج في أجوافهم وهم الذين أدخلوها في بطونهم" (١٢).

قال ابن المنذر: " وقال بعضهم في قوله عز وجل: {إنما يأكلون في بطونهم نارا} يقول في {في بطونهم} هنا، هي توكيد، لأنه لا يؤكل إلا في البطن" (١٣).

عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا، فقيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ألم تر أن الله تعالى يقول: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا} الآية" (١٤).


(١) انظر: سلسلة التفسير لمصطفى العدوي: ٢/ ١٦.
(٢) انظر: تفسير الثعلبي: ٣/ ٢٥٣.
(٣) أسباب النزول: ١٤٤.
(٤) صفوة التفاسير: ٢٣٨. [بتصرف].
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٨٨٠): ص ٣/ ٨٧٩.
(٦) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٢٢.
(٧) تفسير السعدي: ١٦٥.
(٨) النكت والعيون: ١/ ٤٥٧.
(٩) معاني القرآن: ٢/ ١٧.
(١٠) صفوة التفاسير: ٢٣٨.
(١١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٢٢.
(١٢) تفسير السعدي: ١٦٥.
(١٣) تفسير ابن المنذر (١٤٣١): ص ٢/ ٥٨٧.
(١٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٨٨١): ص ٣/ ٨٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>