للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال السمعاني: " وكان هذا هو الحكم في ابتداء الإسلام، وأن المرأة إذا زنت حبست في البيت إلى أن تموت. ثم نسخ ذلك في حق البكر بالجلد والتغريب، وفي حق الثيب بالجلد والرجم، وهو بيان السبيل المذكور في الآية، والحجة عليه: حديث عبادة: " خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام؛ والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة (١).

ثم نسخ الجلد في حق الثيب، واستقر أمرها على الرجم" (٢).

واختلفوا في إمساكهن في البيوت هل هو حد أو مُوعد بالحد على قولين:

أحدهما: يعني بالسبيل الحد، وهذا قول مجاهد (٣)، والحكم (٤)، وسفيان (٥)، وعطاء بن أبي رباح وعبد الله بن كثير (٦).

والثاني: أنه مُوعد بالحد. (٧).

واختلفوا في نسخ الجَلْدِ من حد الثيِّب على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه منسوخ، وهو قول الجمهور من التابعين والفقهاء، إذ يروا بأن الثيب الزاني إنما يُرجم فقط من غير جلد، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم رَجَمَ ماعزًا والغامدية واليهوديين، ولم يجلدهم قبل ذلك، فدل على أن الجلد ليس بحتم، بل هو منسوخ على قولهم (٨).

والثاني: أنه ثابت الحكم، يعني الجمع بين الجلد والرجم في حق الثيب الزاني، وبه قال قتادة (٩)، وداود بن علي (١٠)، وهو مذهب الإمام احمد (١١).

واستدل الإمام أحمد على رأيه بما ورد عن ابن عباس: "لما نزلت سورة النساء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا حبس بعد سورة النساء» (١٢) " (١٣).

والثالث: وذهب طائفة إلى أنه يجمع بينهما. إذ نقل البغوي عن علي رضي الله عنه: "أنه جلد شراحة الهمدانية يوم الخميس مائة ثم رجمها يوم الجمعة، وقال: «جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم(١٤).

قال السمعاني: " والأول أصح" (١٥).

قال الطبري: " السبيلُ التي جعلها الله جل ثناؤه للثيبين المحصَنَيْن، الرجم بالحجارة، وللبكرين جلد مئة ونفي سنة لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رَجم ولم يجلد" (١٦).

قال الماوردي: "وهذه الآية عامة في البكر والثيب، واخْتُلِفَ في نسخها على حسب اختلافهم فيها هل هو حد أو موعد بالحد، فمن قال: هي حد، جعلها منسوخة بآية النور (١٧)، ومن قال: هي مُوعد بالحد، جعلها ثابتة" (١٨).

قال ابن كثير: " كان الحكم في ابتداء الإسلام أن المرأة إذا زنت فثبت زناها بالبينة العادلة، حُبست في بيت فلا تُمكن من الخروج منه إلى أن تموت، فالسبيل الذي جعله الله هو الناسخ لذلك" (١٩).


(١) أخرجه أحمد: ٣/ ٤٧٦.، ومسلم في الحدود، باب حد الزنا برقم (١٦٩٠): ٣/ ١٣١٦.
قال عبادة: " ثم نسخ الجلد في حق الثيب وبقي الرجم عند أكثر أهل العلم".
(٢) تفسير السمعاني: ١/ ٤٠٦.
(٣) انظر: تفسير مجاهد: ٢٦٩، وتفسير الطبري (٨٧٩٥)، و (٨٧٩٦): ص ٨/ ٧٤.
(٤) انظر: تفسير ابن المنذر (١٤٧٠): ص ٢/ ٦٠٢.
(٥) انظر: تفسير ابن المنذر (١٤٧١): ص ٢/ ٦٠٢.
(٦) أخرجه الطبري (٨٨٠٠): ص ٨/ ٧٥.
(٧) انظر: النكت والعيون: ١/ ٤٦٢.
(٨) انظر: تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٣٤ - ٢٣٥، والنكت والعيون: ١/ ٤٦٢.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٨٧٩٨): ص ٨/ ٧٥.
(١٠) انظر: النكت والعيون: ١/ ٤٦٢.
(١١) انظر: تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٣٤.
(١٢) أخرجه البخاري في الحدود، باب رجم المحصن: ١٢/ ١١٧ ..
(١٣) المعجم الكبير (١١/ ٣٦٥)، حديث ضعيف فيه ابن لهيعة وأخوه.
(١٤) تفسير البغوي: ٢/ ١٨١ - ١٨٢.
(١٥) تفسير السمعاني: ١/ ٤٠٦.
(١٦) تفسير الطبري: ٨/ ٨٠.
(١٧) وهو قوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٢].
(١٨) النكت والعيون: ١/ ٤٦٢.
(١٩) تفسير ابن كثير: ٢/ ٢٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>