للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقرأ ابن كثير: {اللذان}، {هذان}، {هاتين}، {فذانك} مشددة النون في جميعها، ووافقه أبو عمرو في: {فذانك}، وإنما شدد نون التثنية لأنه جعل التشديد عوضا من الحذف الذي لحق الكلمة (١).

قوله تعالى: {فَآذُوهُمَا} [النساء: ١٦]، أي: " فآذُوهما بالضرب والهجر والتوبيخ" (٢).

قال سعيد بن جبير: " يعني: باللسان بالتعيير والكلام القبيح لهما بما عملا، وليس عليهما حبس لأنهما بكران، ولكن يعيرا ليتوبا ويندما" (٣).

قال أبو السعود: " أي بالتوبيخ والتقريع وقيل بالضرب بالنعال أيضا وظاهر أن إجراء هذا الحكم أيضا إنما يكون بعد الثبوت لكن ترك ذكره تعويلا على ما ذكر آنفا" (٤).

وفي الأذى المامور به في قوله تعالى: {فَآذُوهُمَا} [النساء: ١٦]، ثلاثة اوجه:

أحدها: التعيير والتوبيخ باللسان، وهو قول قتادة (٥)، والسدي (٦)، وسعيد بن جبير (٧).

والثاني: كان ذلك الأذى، أذًى اللسان، غير أنه كان سبًّا. قاله مجاهد (٨)، واختاره النحاس (٩).

والثالث: أنه الأذى باللسان واليد، فكان الرجل إذا زنى أوذي بالتعيير وضرب بالنعال. وهذا قول ابن عباس (١٠).

والرابع: أنه مجمل أخذ تفسيره في البكر من آية النور، وفي الثيِّب من السُّنّة. أفاده الماوردي (١١).

والصواب –والله أعلم- أن يقال: ": إنّ الله تعالى ذكره كان أمر المؤمنين بأذى الزانيين المذكورين، إذا أتيا ذلك وهما من أهل الإسلام. والأذى قد يقع لكل مكروه نال الإنسان، من قول سيئ باللسان أو فعل، وليس في الآية بيان أيّ ذلك كان أمر به المؤمنون يومئذ، ولا خبر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نقل الواحد ولا نقل الجماعة الموجب مجيئهما قطعَ العذر، وجائز أن يكون ذلك أذى باللسان أو اليد، وجائز أن يكون كان أذى بهما، وليس في العلم بأيِّ ذلك كان من أيٍّ نفعٌ في دين ولا دنيا، ولا في الجهل به مضرة، إذْ كان الله جل ثناؤه قد نسخ ذلك من مُحكمه بما أوجب من الحكم على عباده فيهما وفي اللاتي قبلهما. فأما الذي أوجب من الحكم عليهم فيهما، فما أوجب في سورة النور، بقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}، وأما الذي أوجب في اللاتي قبلهما، فالرجم الذي قضى به رسول الله فيهما. وأجمع أهل التأويل جميعًا على أن الله تعالى ذكره قد جعل لأهل الفاحشة من الزناة والزواني سبيلا بالحدود التي حكم بها فيهم" (١٢).

وإن قيل كيف جاء ترتيب الأذى بعد الحبس؟ ففيه جوابان:

أحدهما: أن هذه الآية نزلت قبل الأولى، ثم أمر أن توضع في التلاوة بعدها، فكان الأذى أولاً، ثم الحبس، ثم الجلد أو الرجم، وهذا قول الحسن (١٣).

والثاني: أن الأذى في البكرين خاصة، والحبس في الثَّيِّبين، وهذا قول السدي (١٤).

ثم اختلف في نسخها على حسب الاختلاف في إجمالها وتفسيرها (١٥)، فقال قوم أن الله سبحانه نسخ بقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [سورة النور: ٢]، قوله: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما}. وهذا قول ابن عباس (١٦)، والحسن (١٧)، ومجاهد (١٨)، والسدي (١٩)، وقتادة (٢٠)، وعكرمة (٢١)، والضحاك (٢٢)، وابن زيد (٢٣).


(١) انظر: التفسير البسيط للواحدي: ٦/ ٣٨٣.
(٢) التفسير الميسر: ٢٤٣.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٩٨٩): ص ٣/ ٨٩٦.
(٤) تفسير أبي السعود: ٢/ ١٥٥.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٨٨١٩): ص ٨/ ٨٤.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٨٨٢٠): ص ٨/ ٨٤.
(٧) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٤٩٨٩): ص ٣/ ٨٩٦.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٨٨٢١): ص ٨/ ٨٥.
(٩) انظر: معانيا لقرآن: ٢/ ٤٠.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٨٨٢٢٢): ص ٨/ ٨٥.
(١١) انظر: النكت والعيون: ١/ ٤٦٤.
(١٢) تفسير الطبري: ٨/ ٨٥.
(١٣) انظر: النكت والعيون: ١/ ٤٦٤.
(١٤) انظر: النكت والعيون: ١/ ٤٦٤.
(١٥) النكت والعيون: ١/ ٤٦٤.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (٨٨٢٦): ص ٨/ ٨٧.
(١٧) انظر: تفسير الطبري (٨٨٢٥): ص ٨/ ٨٦ - ٨٧.
(١٨) انظر: تفسير الطبري (٨٨٢٣)، و (٨٨٢٤): ص ٨/ ٨٦.
(١٩) انظر: تفسير الطبري (٨٨٢٧): ص ٨/ ٨٧.
(٢٠) انظر: تفسير الطبري (٨٨٢٩)، و (٨٨٣١): ص ٨/ ٨٧.
(٢١) انظر: تفسير الطبري (٨٨٢٥): ص ٨/ ٨٦ - ٨٧.
(٢٢) انظر: تفسير الطبري (٨٨٢٨): ص ٨/ ٨٧.
(٢٣) انظر: تفسير الطبري (٨٨٣٠): ص ٨/ ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>