للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النساء: ١٦]، " أي: فإِن تابا عن الفاحشة وأصلحا سيرتهما فكفّوا عن الإِيذاء لهما" (١).

قال سعيد بن جبير: " {فإن تابا} يعني: من الفاحشة" (٢)، " {وأصلحا} يعني: العمل" (٣)، "فأعرضوا عنهما يعني: لا تسمعوهما الأذى بعد التوبة إن الله كان توابا رحيما فكان هذا يفعل بالبكر والثيب في أول الإسلام، ثم نزل حد الزاني، فصار الحبس والأذى منسوخا نسخته هذه الآية التي في السورة التي يذكر فيها النور: الزانية والزاني الآية" (٤).

قال الماوردي: " يعني تابا من الفاحشة وأصلحا دينهما، {فأعرضوا عنهما} بالصفح والكف عن الأذى" (٥).

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: ١٦]، أي: إن الله كان" مبالغاً في قبول التوبة واسع الرحمة" (٦).

قال الطبري: أي: "إن الله لم يزل راجعًا لعبيده إلى ما يحبون إذا هم راجعوا ما يحب منهم من طاعته {رحيما} بهم، يعني: ذا رحمة ورأفة" (٧).

قال سعيد بن جبير: " قوله: {رحيما} بهم بعد التوب" (٨).

قال قتادة: "قوله: {رحيما}، بعياده" (٩).

قال الواحدي: " معنى: {التواب}، أنه يعود على عبده بفضله ومغفرته إذا تاب إليه من ذنبه" (١٠).

وكان أبو عبيدة يتأول في {كان}، في مثل هذا السياق، معنيين: فيما مضى والساعة (١١).

وقال في موضع آخر: " «كان» من الأضداد؛ يقال: كان للماضي، وكان للمستقبل، فأما كونها للماضي فلا يحتاج لها إلى شاهد، وأما كونها للمستقبل، فقول الشاعر (١٢):

فأدركت من قد كان قبلي ولم أدع ... لمن كان بعدي في القصائد مصنعا

أرادَ لمن يكون بعدي، قال: وتكون كان زائدة، كقوله تعالى: {وكان الله غفورا رحيما}، معناه: والله غفور رحيم" (١٣).

قال ابن الانباري: " وقول أبي عبيدة «كان» زائدة في قوله تبارك وتعالى: {وكان الله غفورا رحيما}، ليس بصحيح، لأنها لا تلغى مبتدأة ناصبة للخبر؛ وإنما التأويل المبتدأ عند الفراء: وكائن الله غفورا رحيما، فصلح الماضي في موضع الدائم لأن أفعال الله جل وعز تخالف أفعال العباد، فأفعال العباد تنقطع، ورحمة الله عز وجل لا تنقطع وكذلك مغفرته وعلمه وحكمته (١٤).


(١) صفوة التفاسير: ٢٤٣.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٤٩٠): ص ٣/ ٨٩٦.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٤٩١): ص ٣/ ٨٩٦
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٤٩٢): ص ٣/ ٨٩٦
(٥) النكت والعيون: ١/ ٤٦٤.
(٦) صفوة التفاسير: ٢٤٣.
(٧) تفسير الطبري: ٨/ ٨٨.
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٤٩٤): ص ٣/ ٨٩٦
(٩) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٤٩٥): ص ٣/ ٨٩٦
(١٠) التفسير البسيط: ٦/ ٣٨٦.
(١١) انظر: مجاز القرآن: ٢/ ٧.
(١٢) ديوان جرير" ص ٢٦٣، لكن أوله: (وأدركت) بالواو. والشاهد منه: أن (كان) الأولى للمضي، و (كان) الثانية للاستقبال ..
(١٣) الاضداد: (٢٨): ص ٦٠.
(١٤) انظر: معاني القرآن للفراء: ٢/ ٤٠٣، وفيه: " وربما أدخلت العرب (كان) على الخبر الدائم الذي لا ينقطع. ومنه قول الله في غير موضع {وكان ربك قديرا} {وكان الله غفورا رحيما} فهذا دائم. والمعنى البين أن تدخل (كان) على كل خبر قد كان ثم انقطع كما تقول للرجل: قد كنت موسرا، فمعنى هذا: فأنت الآن معدم".

<<  <  ج: ص:  >  >>