للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال غير الفراء: كأن القوم شاهدوا لله مغفرة ورحمة وعلما وحكمة، فقال الله عز وجل: وكان الله غفورا رحيما، أي لم يزل الله عز وجل على ما شاهدتم" (١).

وذهب سيبويه (٢)، والمبرد (٣)، وابن قتيبة (٤)، إلى أن "كان" في مثل هذا صلة في جميع القرآن، وأنشد المبرد للفرزدق (٥):

فَكيف إذَا رَأَيْتُ دِيارَ قَوْمٍ ... وجِيْرَانٍ لَنا كانُوا كِرامِ

فألغى كان، وزادت تبيينا لمعنى المضي (٦).

واعترض ابن الأنباري على هذا القول لأنه لا يلغى "الكون" وهو عامل، والكون في البيت الذي أنشده المبرد غير عامل (٧).

روي عن أبي زرعة قال: "إن أول شيء كتب: أنا التواب أتوب على من تاب" (٨).

الفوائد:

١ - ويستفاد من هذه الآية والتي قبلها أن الرجال إذا فعلوا الفاحشة يُؤْذَوْن، والنساء يُحْبَسْنَ ويُؤذَيْنَ، فالحبس غايتة الموت، والأذية نهايتها إلى التوبة والصلاح. وكان هذا في صدر الإسلام، ثم نُسخ بما شرع الله ورسوله، وهو الرجم للمحصن والمحصنة، وهما الحران البالغان العاقلان، اللذان جامعا في نكاح صحيح، والجلدُ مائة جلدة، وتغريب عام لغيرهما. إن الله كان توابا على عباده التائبين، رحيمًا بهم.

٢ - ومنها: إثبات هذين الاسمين الكريمين: {التواب}، و {الرحيم}؛ وما تضمناه من صفة، وفعل.

يقول ابن القيم (٩):

" وكذلك التواب من أوصافه ... والتوب في أوصافه نوعان

إذن بتوبة عبده وقبولها ... بعد المتاب بمنة المنان

قال الشيخ الهراس في شرح هذين البيتين: "وأما التواب؛ فهو الكثير التوب؛ بمعنى: الرجوع على عبده بالمغفرة وقبول التوبة ... وتوبته سبحانه على عبده نوعان:

أحدهما: أنه يلهم عبده التوبة إليه، ويوفقه لتحصيل شروطها من الندم والاستغفار والإقلاع عن المعصية والعزم على عدم العود إليها واستبدالها عمل الصالحات.

والثاني: توبته على عبده بقبولها وإجابتها ومحو الذنوب بها؛ فإن التوبة النصوح تجب ما قبلها" (١٠).

واسم «الرحيم» من أسمائه تعالى، يتضمن صفة الرحمة التي تعم عباده المؤمنين فحسب بأن هداهم إلى الإيمان في الدنيا، وهو يثيبهم في الآخرة الثواب الدائم الذي لا ينقطع، إذ يقول سبحانه: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب: ٤٣].

القرآن

{إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧)} [النساء: ١٧]

التفسير:


(١) الأضداد: ٦٢.
(٢) انظر: الكتاب: ٢/ ١٥٣.
(٣) انظر: المقتضب: ٤/ ١١٦.
(٤) انظر: التفسير البسيط للواحدي: ٦/ ٣٨٧.
(٥) نسبه المبرد للفرزدق في "المقتضب" ٤/ ١١٦، وهو في "ديوانه" ٢/ ٢٩٠، وغير منسوب في "مجاز القران" ٢/ ٧ ,١٤٠، و"اللسان" ٧/ ٣٩٦١ (كون) ..
(٦) انظر: "المقتضب" ٤/ ١١٦ وما بعدها، والمدارس النحوية: أحمد شوقي: ٧٩.
(٧) انظر: الأضداد: ٦٢، والتفسير البسيط: ٦/ ٣٨٧. [بتصرف].
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٤٤٩٣): ص ٣/ ٨٩٦
(٩) نونية ابن القيم: ٢/ ٩٢.
(١٠) نونية ابن القيم: ٢/ ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>