للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن معنى قوله: {فمنهم من آمن به}، كان الناس يأتون إبراهيم الخليل عليه السلام، فيسألونه يعني: الحنطة، فيقول: من قال: لا إله إلا الله، فليدخل فليأخذ، فمنهم من قال: وأخذ. وهذا قول السدي (١).

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ} [النساء: ٥٥]، أي: "ومنهم مَن أعرض ولم يستجب لدعوته" (٢).

قال مقاتل: " يعني: أعرض عن الإيمان بالكتاب ولم يصدق به" (٣).

قال ابن كثير: " أي: كفر به وأعرض عنه، وسعى في صد الناس عنه، وهو منهم ومن جنسهم، أي من بني إسرائيل، فقد اختلفوا عليهم، فكيف بك يا محمد ولست من بني إسرائيل؟ " (٤).

وفي قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ} [النساء: ٥٥]، وجهان:

أحدهما: معناه: تركه فلم يتبعه. قاله الحسن (٥).

والثاني: أنهم الذين أبوا قول لا إله إلا الله، وذلك عند سؤالهم إبراهيم-عليه السلام- الحنطة، فيرجعون. وهذا قول السدي (٦).

قوله تعالى: {وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} [النساء: ٥٥]، أي: "وكفى بالنار المسعّرة عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم" (٧).

قال مقاتل: " يقول: وكفى بوقودها وعذابها وقودا لمن كفر بكتاب إبراهيم فلا وقود أحر من جهنم لأهل الكفر" (٨).

قال ابن كثير: " أي: وكفى بالنار عقوبة لهم على كفرهم وعنادهم ومخالفتهم كتب الله ورسله" (٩).

قال أبو مالك: " {سعيرا}، يعني: وقودا" (١٠).

وقال سعيد بن جبير: " السعير: وادي من فيح في جهنم" (١١).

الفوائد:

١ - بيان تكذيب اليهود للنبي-صلى الله عليه وسلم-، على الرغم من أنهم أهل كتاب، ويزعمون أنهم أهل دين وتوحيد.

٢ - أن كفر اليهود بالنبي محمد-صلى الله عليه وسلم- كان بغيا وحسدا، لأنهم كانوا قبل مبعثه عالمين بقرب مبعثه مجمعين على نبوته، مما عرفوه عنه في كتبهم من البشارة به وبيان أحواله وصفاته، فلما بعث اختلفوا: {فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ}.

٣ - أن اليهود آثروا اتباع الباطل والعمل بما يزينه لهم على اتباع الحق، ولا يزال ذلك دأبهم حتى يرديهم فى دار الشقاء والنكال وهى جهنم وبئس القرار.

٤ - أن النار فهي دار أعدها الله لمن عصاه من الكفرة والمعرضين والمجانبين للصراط المستقيم، وجعل لهم فيها النكال والأغلال والويل والثبور، حتى ينالوا بذلك جزاء كفرهم وإعراضهم (١٢).

يقول ابن سعدي في وصف النار وأهلها المستحقين لدخولها:

" ..... فهي دار من طغى وبغى وتجبر على الخلق وآثر الحياة الدنيا، دار الشقاء الأبدي والعذاب الشديد السرمدي، دار جمع الله فيها للطاغين أصناف العذاب، وأحل على أهلها السخط والسعير والحجاب، دار اشتد غيظها وزفيرها، وتفاقمت فظاعتها وحمى سعيرها قعرها بعيد وعذابها شديد ولباس أهلها القطران والحديد وطعامهم الغسلين وشرابهم الصديد، ويتجرعه المجرم ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت فيستريح من التنكيد، يتردد أهلها بين الزمهرير والمفرط برده وبين السعير ويلاقون فيها العنا والشقا فيا


(١) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٤٨٦): ص ٣/ ٩٨١.
(٢) التفسير الميسر: ٨٧.
(٣) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٠.
(٤) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٣٦.
(٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٤٨٧): ص ٣/ ٩٨١.
(٦) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٤٨٨): ص ٣/ ٩٨١.
(٧) صفوة التفاسير: ٢٥٨.
(٨) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٠.
(٩) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٣٦.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٤٨٩): ص ٣/ ٩٨٢.
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٤٩٠): ص ٣/ ٩٨٢.
(١٢) انظر: العقيدة، الشيخ السعدي: ٢٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>