للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بئس المثوى ويا بئس المصير ويلقى عليهم الجوع الشديد المفظع والعطش العظيم الموجع، فيستغيثون للطعام والشراب، فيغاثون من هذا العذاب بأفظع عذاب، يغاثون بماء كالمهل وهو الرصاص المذاب، خبيث الطعم منتن الريح، حره قد تناها، إذا قرب من وجوههم أسقط جلدها ولحمها وشواها، وإذا وقع في بطونهم صهرها وقطع معاها، يغلي طعام الزقوم في بطونهم كغلي الحميم، فشاربون عليه من الحميم، فشاربون شرب الإبل العطاش الهيم، هذا نزلهم فبئس النزل غير الكريم" (١).

وقال أيضاً في تعداد صنوف العذاب وألوانه وأنواعه في جهنم: " فتارة يعذبون بالسعير المحرق لظواهرهم وبواطنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها، وتارة بالزمهرير الذي قد بلغ برده أن يهرى اللحوم ويكسر العظام، وتارة بالجوع المفرط والعطش المفظع، وإذا استغاثوا لذلك أغيثوا بعذاب آخر، ولون من الشقاء ينسى ما سبقه فيغاثون بطعام ذي غصة، بشجرة الزقوم التي تخرج في الذي يوقد عليه النار، وإن يستغيثوا للشراب يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه، إذا قرب إليها فلا يدعهم العطش مع ذلك أن يتناولها، فإذا وصلت إلى بطونهم قطعت أمعاءهم ولا يزالون في عذاب شديد لا يفتر عنهم العذاب ساعة، ولا يرجون رحمة ولا فرجا ... " (٢).

القرآن

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (٥٦)} [النساء: ٥٦]

التفسير:

إن الذين جحدوا ما أنزل الله من آياته ووحي كتابه ودلائله وحججه، سوف ندخلهم نارًا يقاسون حرَّها، كلما احترقت جلودهم بدَّلْناهم جلودًا أخرى; ليستمر عذابهم وألمهم. إن الله تعالى كان عزيزًا لا يمتنع عليه شيء، حكيمًا في تدبيره وقضائه.

قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا} [النساء: ٥٦]، أي: " إن الذين جحدوا ما أنزل الله من آياته ووحي كتابه ودلائله وحججه" (٣).

قال مقاتل: " يعني: اليهود، {بآياتنا}، يعني القرآن" (٤).

قال ابن كثير: " يخبر تعالى عما يعاقب به في نار جهنم من كفر بآياته وصد عن رسله" (٥).

قال الطبري: أي: " إن الذين جحدوا ما أنزلتُ على رسولي محمد صلى الله عليه وسلم، من آياتي يعني: من آيات تنزيله، ووَحي كتابه، وهي دلالاته وحججه على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فلم يصدقوا به من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر أهل الكفر به، [و] هذا وعيد من الله جل ثناؤه للذين أقاموا على تكذيبهم بما أنزل الله على محمد من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر الكفار، وبرسوله" (٦).

قوله تعالى: {سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا} [النساء: ٥٦]، أي: " سوف ندخلهم نارًا يقاسون حرَّها" (٧).

قال ابن كثير: " أي: ندخلهم نارا دخولا يحيط بجميع أجرامهم، وأجزائهم" (٨).

قال الطبري: أي: " سوف ننضجهم في نارٍ يُصلون فيها أي يشوون فيها" (٩).

قال الحسن: "قوله: {سَوْفَ}، وعيد" (١٠).

قال أبو عبيدة: " {نُصْلِيهِمْ نَارًا}، نشويهم بالنار وننضجهم، يقال: أتانا بالحمل مصلي، أي: مشوي، وذكر أن يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم شاة مصلية: أي: مشوية " (١١).

قوله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ} [النساء: ٥٦]، " أي: كلما انشوت جلودهم واحترقت احتراقاً تاماً" (١٢).


(١) الفواكة الشهية /٤٥، ٤٦.
(٢) الخلاصة /٢٨.
(٣) التفسير الميسر: ٨٧.
(٤) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٠.
(٥) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٣٧.
(٦) تفسير الطبري: ٨/ ٤٨٤.
(٧) التفسير الميسر: ٨٧.
(٨) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٣٧.
(٩) تفسير الطبري: ٨/ ٤٨٤.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٤٩١): ص ٣/ ٩٨٢.
(١١) أخرجه ابن المنذر (١٩١٠): ص ٢/ ٧٥٨.
(١٢) صفوة التفاسير: ٢٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>