للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفسير:

إن الله تعالى يأمركم بأداء مختلف الأمانات، التي اؤتمنتم عليها إلى أصحابها، فلا تفرطوا فيها، ويأمركم بالقضاء بين الناس بالعدل والقسط، إذا قضيتم بينهم، ونِعْمَ ما يعظكم الله به ويهديكم إليه. إن الله تعالى كان سميعًا لأقوالكم، مُطَّلعًا على سائر أعمالكم، بصيرًا بها.

في سبب نزول الآية وجهان:

أحدهما: اخرج الطبري وابن المنذر (١)، عن ابن جريج: " نزلت في عُثمان بن طلحة بن أبي طلحة، قَبض منه النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة، ودخل به البيت يوم الفتح، فخرج وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان فدفع إليه المفتاح. قال: وقال عمر بن الخطاب لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو هذه الآية: فداهُ أبي وأمي! ما سمعته يَتلوها قبل ذلك! " (٢).

وفي هذا السياق قال الثعلبي: أنها " نزلت في عثمان بن طلحة الحجبي من بني عبد الدار وكان سادن الكعبة، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح، أغلق عثمان باب البيت وصعد السطح فطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم المفتاح، فقيل: إنه مع عثمان، فطلب منه علي -رضي الله عنه- فأجاب: لو علمت إنه رسول الله لم أمنعه المفتاح، فلوى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يده، فأخذ منه المفتاح وفتح الباب، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى فيه ركعتين، فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح وجمع له بين السقاية والسدانة فأنزل الله تعالى هذه الآية فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا أن يرد المفتاح إلى عثمان، فأوعز إليه ففعل ذلك علي -رضي الله عنه-. فقال له عثمان: يا علي كرهت، وآذيت ثم جئت ترفق، فقال له: بما أنزل الله تعالى في شأنك؟ وقرأ عليه هذه الآية. فقال عثمان: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وأسلم، فجاء جبرائيل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه مادام هذا البيت أول لبنة من لبناته قائمة فإن المفتاح والسدانة في أولاد عثمان وهو اليوم في أيديهم" (٣).

والثاني: أخرج الطبري، وابن المنذر (٤)، وابن ابي حاتم (٥)، عن زيد بن أسلم، قال: " نزلت هذه الآية: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}، في ولاة الأمر" (٦). وروي عن محمد بن كعب (٧)، وشهر بن حوشب (٨)، نحو ذلك.

قال الواحدي: " أجمعوا على أنها نازلة في شأن مفتاح الكعبة" (٩).

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨]، أي: " يأمركم الله أيها المؤمنون بأداء الأمانات إِلى أربابها" (١٠).

قال الزمخشري: " الخطاب عام لكل أحد في كل أمانة" (١١).

قال الشوكاني: " هذه الآية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع، لأن الظاهر أن الخطاب يشمل جميع الناس في جميع الأمانات" (١٢).

قال الزجاج: " هذا أمر عام للنبي - صلى الله عليه وسلم - وجميع أمته، ويروى في التفسير أن العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل له السقاية والسدانة وهي الحجبة، وهو أن يجعل له مع السقاية فتح البيت وإغلاقه، فنازعه شيبة بن عثمان فقال يا رسول الله اردد علي ما أخذت مني يعني مفتاح الكعبة، فرده - صلى الله عليه وسلم - على شيبة" (١٣).


(١) انظر: تفسير ابن المنذر (١٩٢٠): ص ٢/ ٧٦٢.
(٢) تفسير الطبري (٩٨٤٦): ص ٨/ ٤٩١ - ٤٩٢.
(٣) تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٣٣ ذكره دون ذكر السند.
(٤) تفسير ابن المنذر (١٩١٩): ص ٢/ ٧٦٢.
(٥) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٥٢٣): ص ٣/ ٩٨٦.
(٦) تفسير الطبري (٩٨٣٩): ص ٨/ ٤٩٠.
(٧) انظر: تفسير ابن أبي جاتم (٥٥١٨): ص ٣/ ٩٨٦.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٩٨٤٠): ص ٨/ ٤٩٠.
(٩) التفسير البسيط: ٦/ ٥٣٥.
(١٠) صفووة التفاسير: ٢٦١.
(١١) الكشاف: ١/ ٥٢٣.
(١٢) فتح القدير: ١/ ٥٥٥.
(١٣) معاني القرآن: ٢/ ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>