للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو السعود: " في تصدير الكلام بكلمة التحقيق وإظهار الاسم الجليل وإيراد الأمر على صورة الإخبار من الفخامة وتأكيد وجوب الامتثال به والدلالة على الاعتناء بشأنه ما لا مزيد عليه وهو خطاب يعم حكمه المكلفين قاطبة كما أن الأمانات تعم جميع الحقوق المتعلقة بذمهم من حقوق الله تعالى وحقوق العباد سواء كانت فعلية أو قولية إو اعتقادية وإن ورد في شأن عثمان بن طلحة ابن عبد الدار سادن الكعبة المعظمة" (١).

قال ابن كثير: " يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، وفي حديث الحسن، عن سمرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". رواه الإمام أحمد وأهل السنن (٢) وهذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان، من حقوق الله، عز وجل، على عباده، من الصلوات والزكوات، والكفارات والنذور والصيام، وغير ذلك، مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة على ذلك. فأمر الله، عز وجل، بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة، كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لتؤدن الحقوق إلى أهلها، حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء" (٣) " (٤).

قال السعدي: " الأمانات كل ما ائتمن عليه الإنسان وأمر بالقيام به. فأمر الله عباده بأدائها أي: كاملة موفرة، لا منقوصة ولا مبخوسة، ولا ممطولا بها، ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار؛ والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله. وقد ذكر الفقهاء على أن من اؤتمن أمانة وجب عليه حفظها في حرز مثلها. قالوا: لأنه لا يمكن أداؤها إلا بحفظها؛ فوجب ذلك. وفي قوله: {إلى أهلها} دلالة على أنها لا تدفع وتؤدى لغير المؤتمن، ووكيله بمنزلته؛ فلو دفعها لغير ربها لم يكن مؤديا لها" (٥).

واختلف أهل التفسير في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨]، على اربعة أقاويل:

أحدها: أنه عَنَى وُلاةَ أمور المسلمين، وهذا قول شهر بن حَوْشَبٍ (٦)، ومكحول (٧)، وزيد بن أسلم (٨).

والثاني: أنه أمر السلطان أن يعظ النساء، وهذا قول ابن عباس (٩).

والثالث: أنه خُوْطِبَ بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في عثمان بن أبي طلحة، أن يرد عليه مفاتيح الكعبة، وهذا قول ابن جريج (١٠).

والرابع: أنه في كل مَؤْتَمنٍ على شيء، وهذا قول أُبَيّ بن كعب (١١).

والراجح-والله أعلم- أنه " خطاب من الله ولاةَ أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى من وَلُوا أمره في فيئهم وحقوقهم، وما ائتمنوا عليه من أمورهم، بالعدل بينهم في القضية، والقَسْم بينهم بالسوية. يدل على


(١) تفسير أبي السعود: ٢/ ١٩٢.
(٢)) قال المحقق: لم أجد من رواه من حديث سمرة رضى الله عنه:
أ - وإنما رواه الإمام أحمد في مسنده (٣/ ٤١٤) عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ب - ورواه الترمذي في سننه برقم (١٢٦٤) وأبو داود في سننه برقم (٣٥٣٥) من طريق طلق بن غنام عن شريك وقيس عن أبي حصين عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال الترمذي: "حديث حسن غريب"، وقال أبو حاتم: "حديث منكر لم يرو هذا الحديث غير طلق" العلل (١/ ٣٧٥).
جـ - ورواه الحاكم في المستدرك (٢/ ٦٤) والطبراني في المعجم الصغير (١/ ١٧١) من طريق أيوب بن سويد عن ابن شوذب عن أبي التياح، عن أنس رضي الله عنه، وأيوب بن سويد ضعيف.،
د - ورواه الطبراني في المعجم الكبير (٨/ ١٥٠) من طريق يحيى بن عثمان، عم عمرو بن الربيع، عن يحيى بن أيوب عن إسحاق ابن أسيد عن أبي حفص عن مكحول عن أبي أمامة رضي الله عنه.
قال الهيثمي في المجمع (٨/ ١٢٨): "فيه يحي بن عثمان بن صالح المصري. قال ابن أبي حاتم: تكلموا فيه".
هـ - ورواه الطبري في تفسيره (٨/ ٤٩٣) من طريق قتادة عن الحسن مرسلا ..
(٣) رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٥٨٢).
(٤) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٣٨.
(٥) تفسير السعدي: ١٨٣.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٩٨٤٠): ص ٨/ ٤٩٠.
(٧) انظر: تفسير الطبري (٩٨٤٣): ص ٨/ ٤٩١.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٩٨٣٩): ص ٨/ ٤٩٠.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٩٨٤٥): ص ٨/ ٤٩١.
(١٠) انظر: تفسير الطبري (٩٨٤٦): ص ٨/ ٤٩١ - ٤٩٢.
(١١) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٥١٧): ٢٣/ ٩٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>