للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك ما وَعظ به الرعية في: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ}، فأمرهم بطاعتهم، وأوصى الرّاعي بالرعية، وأوصى الرعية بالطاعة" (١).

وقرئ: {الأمانة}، على التوحيد (٢).

قوله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: ٥٨]، أي: "ويأمركم بالقضاء بين الناس بالعدل والقسط، إذا قضيتم بينهم" (٣).

قال السعدي: " وهذا يشمل الحكم بينهم في الدماء والأموال والأعراض، القليل من ذلك والكثير، على القريب والبعيد، والبر والفاجر، والولي والعدو، والمراد بالعدل الذي أمر الله بالحكم به هو ما شرعه الله على لسان رسوله من الحدود والأحكام، وهذا يستلزم معرفة العدل ليحكم به" (٤).

قال الشوكاني: " أي: وإن الله يأمركم إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل. والعدل: هو فصل الحكومة على ما في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا الحكم بالرأي المجرد، فإن ذلك ليس من الحق في شيء، إلا إذا لم يوجد دليل تلك الحكومة في كتاب الله ولا في سنة رسوله، فلا بأس باجتهاد الرأي من الحاكم الذي يعلم بحكم الله سبحانه، وبما هو أقرب إلى الحق عند عدم وجود النص، وأما الحاكم الذي لا يدري بحكم الله ورسوله، ولا بما هو أقرب إليهما، فهو لا يدري ما هو العدل، لأنه لا يعقل الحجة إذا جاءته، فضلا عن أن يحكم بها بين عباد الله. قوله: نعما ما موصوفة أو موصولة، وقد قدمنا البحث في مثل ذلك" (٥).

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء: ٥٨]، أي: " ونِعْمَ ما يعظكم الله به ويهديكم إليه" (٦).

قال ابن كثير: " أي: يأمركم به من أداء الأمانات، والحكم بالعدل بين الناس، وغير ذلك من أوامره وشرائعه الكاملة العظيمة الشاملة" (٧).

قال السعدي: " وهذا مدح من الله لأوامره ونواهيه، لاشتمالها على مصالح الدارين ودفع مضارهما، لأن شارعها السميع البصير الذي لا تخفى عليه خافية، ويعلم بمصالح العباد ما لا يعلمون" (٨).

وقرئ: {نعما}، بفتح النون (٩).

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: ٥٨]، أي: إن الله "سميع لأقوالكم بصير بأفعالكم" (١٠).

قال ابن كثير: " أي: سميعا لأقوالكم، بصيرا بأفعالكم " (١١).

قال محمد بن إسحاق: " {سميعا}، أي: سميع ما يقولون" (١٢).

قال عقبة بن عامر: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرئ هذه الآية: {سميعا بصيرا}، يقول: بكل شيء بصير" (١٣).

قال مقاتل: " فلا أحد أسمع منه، «بصيرا» فلا أحد أبصر منه، فكان من العدل أن دفع السقاية إلى العباس بن عبد المطلب والحجابة إلى عثمان بن طلحة لأنهما كانا أهلها فى الجاهلية" (١٤).

الفوائد:

١ - أمر الله جل شأنه جميع الناس أن يرد كل منهم ما لديه من أمانة إلى أهلها أيا كانت تلك الأمانة، فعم سبحانه بأمره كل مكلف وكل أمانة، سواء كان ما ورد في نزول الآية صحيحا أم غير صحيح؛ فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.


(١) تفسير الطبري: ٨ ظم ٤٩٢.
(٢) انظر: الكشاف: ١/ ٥٢٣.
(٣) التفسير الميسر: ٨٧.
(٤) تفسير السعدي: ١٨٣.
(٥) فتح القدير: ١/ ٥٥٥.
(٦) التفسير الميسر: ٨٧.
(٧) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٤١.
(٨) تفسير السعدي: ١٨٣.
(٩) انظر: الكشاف: ١/ ٥٢٣.
(١٠) صفووة التفاسير: ٢٦١.
(١١) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٤١.
(١٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٥٢٥): ص ٣/ ٩٨٧.
(١٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٥٢٦): ص ٣/ ٩٨٧.
(١٤) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>