للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمركم أن تدخلوها فادخلوا، قال: فرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبروه بذلك، فقال لهم: «لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا إنما الطاعة في المعروف» (١) ".

والثاني: أخرج الطبري، وابن ابي حاتم (٢)، وغيرهما (٣)، عن السدي، قال: " قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سريَّة عليها خالد بن الوليد، وفيها عمار بن ياسر، فساروا قِبَل القوم الذين يريدون، فلما بلغوا قريبًا منهم عرَّسوا، وأتاهم ذو العُيَيْنَتين فأخبرهم، فأصبحوا قد هربوا، غير رجل أمر أهله فجمعوا متاعهم، ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل حتى أتى عسكر خالد، فسأل عن عمار بن ياسر، فأتاه فقال: يا أبا اليقظان، إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وإنّ قومي لما سمعوا بكم هربوا، وإني بقيت، فهل إسلامي نافعي غدًا، وإلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفعك، فأقم. فأقام، فلما أصبحوا أغار خالد فلم يجد أحدًا غير الرجل، فأخذه وأخذ ماله. فبلغ عمارًا الخبر، فأتى خالدًا، فقال: خلِّ عن الرجل، فإنه قد أسلم، وهو في أمان مني. فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ (٤) فاستبَّا وارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فأجاز أمان عمار، ونهاه أن يجير الثانية على أمير. فاستبَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال خالد: يا رسول الله، أتترك هذا العبد الأجدع يسبني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا خالد، لا تسبَّ عمارًا، فإنه من سب عمارًا سبه الله، ومن أبغض عمارًا أبغضه الله، ومن لعن عمارًا لعنه الله. فغضب عمار فقام، فتبعه خالد حتى أخذ بثوبه فاعتذر إليه، فرضي عنه، فأنزل الله تعالى قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} " (٥).

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [النساء: ٥٩]، أي: " يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه" (٦).

قال ابن عباس: " ما أنزل الله آية في القرآن، يقول فيها: {يا أيها الذين آمنوا}، إلا كان على شريفها وأميرها" (٧).

وعن خيثمة قال: "ما تقرأون في القرآن: {يا أيها الذين آمنوا}، فإنه في التوراة: يا أيها المساكين" (٨).

ويجدر القول بأن تصدير الحكم بالنداء دليل على الاهتمام به؛ لأن النداء يوجب انتباه المنادَى؛ ثم النداء بوصف الإيمان دليل على أن تنفيذ هذا الحكم من مقتضيات الإيمان؛ وعلى أن فواته نقص في الإيمان" (٩).

قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إذا سمعت الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} فأرعها سمعك [يعني استمع لها]؛ فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه" (١٠).


(١) وتعددت الروايات:
- في رواية أخرى: فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: "لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة"، وقال للآخرين قولا حسنا، وقال: " لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف".
- وفي رواية: "لا طاعة لبشر في معصية الله".
- وفي رواية: "لا طاعة لمخلوق في معصية الله، عز وجل".
[انظر: المسند الجامع (١٠٣٠١): ص ١٣/ ٣٨٤].
(٢) انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٥٥٣١): ص ٣/ ٩٨٨.
(٣) أخرجه الواحدي في اسباب النزول: ١٥٩ - ١٦٠، باختلاف يسير في الالفاظ، مثلا قوله: " أنت تجير عليّ وأنا الامير؟ ، "، وقوله: " واستب عمار وخالد بين يدي رسول الله فأغلظ عمار لخالد، فغضب خالد وقال: يا رسول الله أتدع هذا العبد يشتمني، فوالله لولا أنت ما شتمني، وكان عمار مولى لهاشم بن المغيرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يا خالد كف عن عمار فإنه من يسب عمارا يسبه الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله".
وكذلك ذكره مقاتل بن سليمان في تفسيره: ١/-٣٨٣٣٨٢، باختلاف يسير في الألفاظ، مثلا: " فقال خالد:
يا نبي الله يسبني هذا العبد الأجدع، وشتم خالد عمارا"، وفيه: " قال خالد: فيم أنت تجير دوني وأنا أمير عليك؟ ". وفيه: " فقال النبي- صلى الله عليه وسلم - لخالد: قم فاعتذر إليه".
(٤) في رواية الواحدي: ١٦٠: "أنت تجير عليّ وأنا الامير؟ فقال: نعم، أنا أجير عليك وأنت الأمير"، وكذلك ذكره مقاتل بن سليمان في تفسيره: ١/ ٣٨٢.
(٥) تفسير الطبري (٩٨٦١): ص ٨/ ٤٩٨ - ٤٩٩.
(٦) التفسير الميسر: ٨٧.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠٣٥): ص ١/ ١٩٦، و (٥٠٢٥): ص ٣/ ٩٠٢
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٠٢٦): ص ٣/ ٩٠٢.
(٩) انظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ٣٣٧.
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠٣٧): ص ١/ ١٩٦، و (٥٠٢٧): ص ٣/ ٩٠٢

<<  <  ج: ص:  >  >>