للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثالث: ونقل الثعلبي والواحدي (١)، والحافظ (٢)، عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: "نزلت في رجل من المنافقين يقال له بشر (٣)، كان بينه وبين يهودي خصومة، فقال: انطلق بنا إلى محمد وقال المنافق بل إلى كعب بن الأشرف، وهو الذي سماه الله الطاغوت، فأبى اليهودي أن يخاصمه إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رأى المنافق ذلك أتى معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختصما إليه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهودي فلما خرجا من عنده لزمه المنافق، وقال: انطلق بنا إلى عمر -رضي الله عنه- فأقبلا إلى عمر، فقال اليهودي: اختصمت أنا وهذا إلى محمد فقضى لي عليه فلم يرض بقضائه وزعم أنه يخاصم إليكم وأنه تعلق بي فجئت معه فقال عمر للمنافق: أكذلك؟ قال: نعم. فقال لهما: رويد كما حتى أخرج إليكما، فدخل عمر البيت وأخذ السيف ثم خرج إليهما فضرب به المنافق حتى برد وقال. هكذا أقضي بين من لم يرض بقضاء الله وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهرب اليهودي، ونزلت هذه الآية" (٤).

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [النساء: ٦٠]، " ألم تعلم -أيها الرسول- أمر أولئك المنافقين الذين يدَّعون الإيمان بما أُنزل إليك -وهو القرآن- وبما أُنزل إلى الرسل من قبلك" (٥).

قال مقاتل: " يعني: صدقوا بما أنزل إليك من القرآن وصدقوا بما أنزل من قبلك من الكتاب على الأنبياء" (٦).

قال الزجاج: " يعنى به المنافقون، وقوله: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} إلى الكاهن والشيطان" (٧).

قال ابن كثير: " هذا إنكار من الله، عز وجل، على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله" (٨).

وقرئ: {بما أنزل .... بما أنزل}، على البناء للفاعل (٩).

قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء: ٦٠]، أي: "وهم يريدون أن يتحاكموا في فَصْل الخصومات بينهم إلى غير ما شرع الله من الباطل" (١٠).

قال مقاتل: " يعني كعب بن الأشرف وكان يتكهن" (١١).

وقال عطاء: "يعني: حيي بن أخطب" (١٢).

قال الشعبي: " يعني به: الكاهن، كان بين رجل ممن زعم أنه مسلم، وبين رجل من اليهود خصومة، فاتفقا على أن يتحاكما إلى كاهن في جهينة" (١٣).

وقد ذكر أهل التفسير في {ِالطَّاغُوتِ}، سبعة أقوال:

أحدها: أنه الشيطان (١٤)، وهو قول عمر بن الخطاب (١٥)، ومجاهد (١٦)، والشعبي (١٧)، والضحاك (١٨)، وقتادة (١٩)، والسدي (٢٠)، وعكرمة (٢١)، واختاره ابن كثير (٢٢)، والقاسمي (٢٣) وآخرون.


(١) انظر: اسباب النزول: ١٦٢.
(٢) انظر: الفتح" "٥/ ٣٧ - ٣٨" وقال: "وهذا الإسناد وإن كان ضعيفا لكن تقوى بطريق مجاهد ولا يضره الاختلاف لإمكان التعدد".
(٣) لم يحدد الاسم في الواحدي ..
(٤) تفسير الثعلبي: ٣/ ٣٣٧.
(٥) التفسير الميسر: ٨٨.
(٦) تفسير الثعلبي: ١/ ٣٨٣.
(٧) معاني القرآن: ٢/ ٦٨.
(٨) تفسير ابن كثير: ٢/ ٣٤٧.
(٩) انظر: الكشاف: ١/ ٥٢٥.
(١٠) التفسير الميسر: ٨٨.
(١١) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٥.
(١٢) الوجيز للواحدي: ٢/ ٧٣.
(١٣) أخرجه ابن المنذر (١٩٤٥): ص ٢/ ٧٧٠ - ٧٧١.
(١٤) قال الشنقيطي: " قال بعض العلماء: (الطاغوت): الشيطان، ويدل لهذا قوله تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه}، أي يخوفكم من أوليائه. وقوله تعالى: {الذين آمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا، وقوله: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو} وقوله: {إنهم اتخذوا الشياطين أولياء}، والتحقيق أن كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت والحظ الأكبر من ذلك للشيطان كما قال تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بنى ءادم أن لا تعبدوا الشيطان (وقال: (إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا {وقال عن خليله ابرهيم} يا أبت لا تعبد الشيطان وقال: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}، إلى غير ذلك من الآيات". [أضواء البيان: ١/ ١٥٩].
(١٥) أنظر: تفسير الطبري (٥٨٣٤) و (٥٨٣٥): ص ٥/ ٤١٧. وابن ابي حاتم (٢٦١٨): ص ٢/ ٤٩٥.
(١٦) أنظر: تفسير الطبري (٥٨٣٦): ص ٥/ ٤١٧.
(١٧) أنظر: تفسير الطبري (٥٨٣٧): ص ٥/ ٤١٧.
(١٨) أنظر: تفسير الطبري (٥٨٣٨): ص ٥/ ٤١٧.
(١٩) أنظر: تفسير الطبري (٥٨٣٩): ص ٥/ ٤١٧.
(٢٠) أنظر: تفسير الطبري (٥٨٤٠): ص ٥/ ٤١٧.
(٢١) البخاري، كتاب التفسير، باب قوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنِ الْغَائِطِ}، قبل الحديث رقم ٤٥٨٣، ولفظه: "الْجِبْتُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: شَيْطَانٌ، وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ".
(٢٢) أنظر: تفسير ابن كثير: ١/ ٦٨٣، إذ يقول: " ومعنى قوله في الطاغوت: إنه الشيطان قوي جدًّا فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية، من عبادة الأوثان والتحاكم إليها والاستنصار بها".
(٢٣) محاسن التأويل: ٢/ ١٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>