للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفسير:

وما بعَثْنَا من رسول من رسلنا، إلا ليستجاب له، بأمر الله تعالى وقضائه. ولو أن هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم باقتراف السيئات، جاؤوك -أيها الرسول- في حياتك تائبين سائلين الله أن يغفر لهم ذنوبهم، واستغفرت لهم، لوجدوا الله توابًا رحيمًا.

سبب نزول الآية:

أخرج الطبري عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " {ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}، إلى قوله: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (١)، قال: إن هذا في الرجل اليهودي والرجل المسلم اللذين تحاكما إلى كعب بن الأشرف" (٢).

قال ابن الجوزي: "قال المفسرون: اختصم يهودي ومنافق، وقيل: بل مؤمن ومنافق، فأراد اليهودي، وقيل: المؤمن، أن تكون الحكومة بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم فأبى المنافق. فنزل قوله تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت} [النساء: ٦٠]، إلى هذه الآية" (٣).

قلت: هذا السبب الذي أورده ابن الجوزي في نزول الآية هو مكون من أسباب رويت من طرق محتلفة، أشرنا إليها في تفسير الآية: (٦٠)، من السورة.

قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء: ٦٤]، أي: " وما بعَثْنَا من رسول من رسلنا إِلا ليطاع بأمر الله تعالى" (٤).

قال الزجاج: " إي، أذن في ذلك" (٥).

قال ابو جعفر الترمذي: " لا يطيعهم أحد إلا بإذن الله" (٦).

قال مجاهد: " أوجب الله لهم أن يطيعهم من شاء الله من الناس، ثم أخبر أنه لا يطيعهم أحد إلا بإذن الله" (٧).

قال مقاتل: " يعني: إلا لكي يطاع، {بإذن الله}، يقول: لا يطيعه أحد حتى يأذن الله- عز وجل- له في طاعة رسوله- صلى الله عليه وسلم-" (٨).

قال البغوي: " أي: بأمر الله، لأن طاعة الرسول وجبت بأمر الله" (٩).

قال الواحدي: أي: " فيما يأمرُ به ويحكم لا ليُعصى ويُطلب الحكم من غيره وقوله: {بإذن الله} أَيْ: لأنَّ الله أذن في ذلك وأمر بطاعته" (١٠).

قال الزمخشري: أي: " وما أرسلنا رسولا قط إلا ليطاع بإذن الله بسبب إذن الله في طاعته، وبأنه أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه ويتبعوه، لأنه مؤد عن الله، فطاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله من يطع الرسول فقد أطاع الله ويجوز أن يراد بتيسير الله وتوفيقه في طاعته" (١١).

قال البيضاوي: {بإذن الله}، أي: "بسبب إذنه في طاعته وأمره المبعوث إليهم بأن يطيعوه، وكأنه احتج بذلك على أن الذي لم يرض بحكمه وإن أظهر الإسلام كان كافرا مستوجب القتل، وتقريره أن إرسال الرسول لما لم يكن إلا ليطاع كان من لم يطعه ولم يرض بحكمه لم يقبل رسالته ومن كان كذلك كان كافرا مستوجب القتل" (١٢).

يحتمل قوله تعالى: {بإذن الله} [النساء: ٦٤]، وجوها (١٣):


(١) [سورة النساء: ٦٥].
(٢) تفسير الطبري (٩٩٠٧): ص ٨/ ٥١٧، وانظر: تفسير مجاهد: ٢٨٦.
(٣) نواسخ القرآن: ٢/ ٣٧٥.
(٤) انظر: التفسير الميسر: ٨٨، وصفوة التفاسير: ٢٦٢.
(٥) معاني القرآن: ٢/ ٧٠.
(٦) الجزء فيه تفسير القرآن ليحيى بن يمان ونافع بن أبي نعيم القارئ ومسلم بن خالد الزنجي وعطاء الخراساني برواية أبي جعفر الترمذي: ٨٦.
(٧) تفسير مجاهد: ٢٨٥.
(٨) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٦.
(٩) تفسير البغوي: ٢/ ٢٤٤.
(١٠) الوجيز: ٢٧٢.
(١١) الكشاف: ١/ ٥٢٨.
(١٢) تفسير البيضاوي: ٢/ ٨١.
(١٣) انظر: تفسير الماتريدي: ٣/ ٢٣٩ - ٢٤٠، والوجوه والنظائر لأبي هلال العسكري: ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>