للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدها: بمشيئة الله، ؛ أي: من أطاع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما يطيعه بمشيئته، وكذلك من عصاه إنما يعصيه بمشيئته، من أطاعه أو عصاه فإنما ذلك كله بمشيئة الله.

والثاني: بأمر الله. وذلك أنه أمر أن يطاع.

والثالث: بعلم الله، إنه يعلم من يطيعه ومن يعصيه، أي: كل ذلك إنما يكون بعلمه، لا عن غفلة منه وسهو، كصنيع ملوك الأرض أن ما يستقبلهم من العصيان والخلاف إنما يستقبلهم الغفلة، منهم وسهو بالعواقب، فأما الله - سبحانه وتعالى - إذا بعث رسلا بعث على علم منه بالطاعة لهم وبالمعصية، لكنه عثهم لما لا ينفعه طاعة أحد؛ ولا يضره معصية أحد، فإنما ضر ذلك عليهم، ونفعه لهم (١).

قال ابن عطية: " {بإذن الله}، معناه بأمر الله، وحسنت العبارة بالإذن، إذ بنفس الإرسال تجب طاعته وإن لم ينص أمر بذلك، قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} تنبيه على جلالة الرسل، أي: فأنت يا محمد منهم، تجب طاعتك وتتعين إجابة الدعوة إليك" (٢).

قال ابن عطية: " تنبيه على جلالة الرسل، أي: فأنت يا محمد منهم، تجب طاعتك وتتعين إجابة الدعوة إليك" (٣).

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ} [النساء: ٦٤]، " أي: ولو أن هؤلاء المنافقين حين ظلموا أنفسهم بعدم قبول حكمك جاءوك تائبين من النفاق مستغفرين الله من ذنوبهم معترفين بخطئهم" (٤).

قال مقاتل: " يعني: حين لم يرضوا بقضائك جاءوك فاستغفروا الله من ذنوبهم" (٥).

قال الزجاج: أي: " لو وقع مجيئهم في وقت ظلمهم أنفسهم مع استغفارهم {لوجدوا الله توابا رحيما" (٦).

قال الزمخشري: أي: " جاؤك تائبين من النفاق متنصلين عما ارتكبوا فاستغفروا الله من ذلك بالإخلاص" (٧).

قال البيضاوي: أي: " {إذ ظلموا أنفسهم}، بالنفاق أو التحاكم إلى الطاغوت. {جاؤك}، تائبين من ذلك {فاستغفروا الله}، بالتوبة والإخلاص" (٨).

قال الطبري: أي: " ولو أن هؤلاء المنافقين الذين وصف صفتهم في هاتين الآيتين، الذين إذا دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله صدّوا صدودًا، {إذ ظلموا أنفسهم}، باكتسابهم إياها العظيم من الإثم في احتكامهم إلى الطاغوت، وصدودهم عن كتاب الله وسنة رسوله إذا دعوا إليها {جاؤوك}، يا محمد، حين فعلو ما فعلوا من مصيرهم إلى الطاغوت راضين بحكمه دون حكمك، جاؤوك تائبين منيبين، فسألوا الله أن يصفح لهم عن عقوبة ذنبهم بتغطيته عليهم" (٩).

قال سعيد بن جبير: " الاستغفار على نحوين، أحدهما: في القول، والآخر في العمل، فأما استغفار القول: فإن الله يقول: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول} وأما استغفار العمل، فإن الله عز وجل: يقول: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} فعنى بذلك: أن يعملوا عمل الغفران، وقد علمت أن أناسا سيدخلون النار وهم يستغفرون الله بألسنتهم ممن يدعي الإسلام، ومن سائر الملل " (١٠).


(١) وقد قالت المعتزلة في قوله - تعالى -: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع}: أخبر أنه ما أرسل الرسل إلا لتطاع، ومن الرسل من لم يطع؛ كيف لا تبينتم أن من الفعل ما قد أراد - عز وجل - أن يفعل، وأن يكون، ولكن لم يكن على ما أخبر أنه ما أرسل من رسول إلا ليطاع. ثم من قد كان من الرسل ولم يطع.
قيل: هو ما ذكر في آخره: {إلا ليطاع بإذن الله}، أي: بمشيئة الله، فمن شاء من الرسل أن يطاع فقد أطيع، ومن شاء ألا يطاع، فلم يطع، وكذلك من علم أنه يطاع فأرسله ليطاع فأطيع، ومن علم أنه لا يطاع فلم يطع، ومن أرسل أن يطاع بأمر ليكون عليه الأمر فذلك مستقيم، ومن أرسل ليطاع بالأمر فلا يجوز ألا يطاع. [انظر: تفسير الماتريدي: ٣/ ٣٤٠].
(٢) المحرر الوجيز: ٢/ ٧٤.
(٣) المحرر الوجيز: ٢/ ٧٤.
(٤) صفوة التفاسير: ٢٦٢.
(٥) تفسير مقاتل بن سليمان: ١/ ٣٨٦.
(٦) معاني القرآن: ٢/ ٧٠.
(٧) الكشاف: ١/ ٥٢٨.
(٨) تفسير البيضاوي: ٢/ ٨١.
(٩) تفسير الطبري: ٨/ ٥١٧.
(١٠) أخرجه ابن المنذر (١٩٥٥): ص ٢/ ٧٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>