للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن فارس": فالرِّزق: عطاء الله - جل ثناؤه - ويُقال: رزقه الله رزقًا، والاسم: الرِّزْق. [والرِّزق] بلغة أزد شَنُوءة: الشُّكر، مِن قوله - جل ثناؤه: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} [الواقعة: ٨٢]، وفعلتُ ذلك لمَّا رزَقتَني؛ أي: لمَّا شَكرْتَني" (١).

نستنتج من المعنى اللغوي بأن معاني الرزق تدور ما بين العطاء وما يُنتفَع به مما يؤكَل.

والرزق اصطلاحا: لرزق: اسم لِما يَسوقه الله إلى الحيوان فيأكُله، فيكون متناولاً للحلال والحرام، وعند المعتزلة: عبارة عن مملوك يأكُله المالِك، فعلى هذا لا يكون الحَرام رزقًا.

والرِّزق الحسَن: هو ما يصل إلى صاحبه بلا كدٍّ في طلبه، وقيل: ما وُجد غير مُرتقَب، ولا محتسَب، ولا مُكتسَب (٢)، والرِّزق: مُتناوِل للحلال والحرام؛ لأنه اسم لِما يَسوقه الله -تعالى- إلى الحيوان في أكله، أي: يَتناوله، فيشمل المأكولات والمشروبات (٣).

ونلاحِظ ارتباط المعنى اللغوي والاصطلاحي للرِّزق؛ بحيث إنه في اللغة يكون بمعنى العطاء، وكذلك في الاصطِلاح هو الوصول، وكلاهما اسم لِما يَسوقه الله - تعالى.

ويكمن الفهم الخاطئ في قصر مفهوم الرزق على المعنى المادي المتمثل بالمال أو غيره، بينما الحقيقة التي تشير إليها النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تؤكد شمول معنى الرزق في الإسلام الأمور المادية والمعنوية.

لقد ذكر لفظ «الرزق» في القرآن الكريم (١٢٣) مرة، وكما جاء بمعنى الرزق المادي من مال وطعام ومطر، جاء بمعنى معنوي في أكثر من موضع، كمعنى الثواب في قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩]، أي: يثابون على ما قدموا من أعمال وتضحيات.

كما فسر الشيخ السعدي مفهوم الرزق الوارد في قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (البقرة: ٢١٢)، برزق القلوب من العلم والإيمان وغير ذلك من الأمور المعنوية فقال في تفسير الآية: "فالرزق الدنيوي يحصل للمؤمن والكافر، وأما رزق القلوب من العلم والإيمان ومحبة الله وخشيته ورجائه، ونحو ذلك: فلا يعطيها إلا من يحب" (٤).

وفي السنة النبوية ما يشير إلى أن مفهوم الرزق في الإسلام واسع ولا يقتصر على الأمور المادية فحسب، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعود قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ " "إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيدٍ؛ فَوَاللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ إنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا. وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا". " (٥).

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - معلقا على كلمة: «رِزْقه» في الحديث: "الرزق هنا: ما ينتفع به الإنسان وهو نوعان: رزق يقوم به البدن، ورزق يقوم به الدين، والرزق الذي يقوم به البدن: هو الأكل والشرب واللباس والمسكن والمركوب وما أشبه ذلك، والرزق الذي يقوم به الدين: هو العلم، والإيمان، وكلاهما مراد بهذا الحديث" (٦).


(١) مقاييس اللغة: ٢/ ٣٨٨.
(٢) التعريفات، الباقلاني: ١/ ١١٠.
(٣) القاضي عبدالنبي بن عبدالرسول الأحمد نكري، دستور العلماء: (٢: ٩٦).
(٤) تفسير السعدي: ١/ ٩٥.
(٥) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (رقم: ٣٢٠٨)، وَمُسْلِمٌ (رقم: ٢٦٤٣)
(٦) شرح الأربعين النووية ص ١٠١ - ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>