للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن تكون للتبعيض: وذلك لينبههم أنه لم يرد منهم إلا جزءاً يسيراً من أموالهم، غير ضار لهم ولا مثقل، بل ينتفعون هم بإنفاقه، وينتفع به إخوانهم (١).

وكثيراً ما يجمع تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال في القرآن الكريم، وذلك لأن "الصّلاة حقّ الله وعبادته، وهي مشتملةٌ على توحيده والثّناء عليه، وتمجيده والابتهال إليه، ودعائه والتّوكّل عليه؛ والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنّفع المتعدّي إليهم، وأولى النّاس بذلك القرابات والأهلون والمماليك، ثمّ الأجانب، فكلٌّ من النّفقات الواجبة والزّكاة المفروضة داخلٌ في قوله تعالى: {وممّا رزقناهم ينفقون} ولهذا ثبت في الصّحيحين عن ابن عمر: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: "بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلّا الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت" (٢)، والأحاديث في هذا كثيرةٌ" (٣).

و(الرزق) لغة: قال ابن منظور: رزَق: الرازِق والرزَّاق: في صِفة الله -تعالى- لأنه يَرزُق الخَلق أجمَعين، وهو الذي خلق الأرزاق، وأعطى الخلائق أرزاقها وأوصَلها إليهم، وفَعَّال مِن أبنيَة المبالَغة، والرِّزْق: مَعروف، والأرزاق نوعان: ظاهِرة للأبدان؛ كالأقوات، وباطِنة للقلوب والنفوس؛ كالمَعارِف والعُلوم؛ قال الله -تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] (٤).

وقال الراغِب: "الرِّزْق يُقال للعَطاء الجاري تارةً، دُنيويًّا كان أم أُخرويًّا، وللنصيب تارةً، ولِما يَصِل إلى الجوف ويُتغذى به تارةً، يقال: أعطى السلطانُ رِزقَ الجند، ورُزقتُ عِلمًا" (٥).

وجاء في "المعجم الوسيط: " (الرزْق) بالفتح مصدر، وبالكَسر اسم الشيء المرزوق، وهو كل ما يُنتفَع به، ويجوز أن يوضَع كل منهما مَوضِع الآخَر، وما يُنتفَع به مما يؤكَل ويُلبَس، وما يصل إلى الجوف ويُتغذَّى به، وفي التنزيل العزيز: {فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ} [الكهف: ١٩]، والمطرُ؛ لأنه سبب الرزق، والعطاءُ أو العطاء الجاري؛ يُقال: كم رِزقك في الشهر؟ : كم راتبك؟ " (٦).


(١) وقوله تعالى {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ينفقون} فيه إشارة إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم، ليست حاصلة بقوتكم وملككم، وإنما هي رزق الله الذي أنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم الله به عليكم وواسوا إخوانكم المعدمين.
(٢) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بُنِيَ الإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ".
حديث صحيح: أخرجه البُخاريُّ في «صحيحه» (٨، ٤٥١٥)، وفي «التاريخ الكبير» (٤/ ٢١٣)، (٨/ ٣١٩، ٣٢٢)، ومُسلِمٌ (١٦)، وفي «التمييز» (٤)، والنَّسائِيُّ (٨/ ١٠٧، ١٠٨)، والتِّرمِذِيُّ (٢٦٠٩)، وأحمد (٢/ ٢٦، ٩٢، ٩٣، ١٢٠)، والحميدي (٧٠٣، ٧٠٤)، وعبد ابن حميد (٨٢٤)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في «الإيمان» (٢) بتحقيقي، وفي «الناسخ والمنسوخ» (٣٧٩)، وأبو الحسن الطوسي في «الأربعين» (١٤)، والعدني في «الإيمان» (١٨) بتحقيقي، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (٤١١ - ٤١٧)، وابن خزيمة (٣٠٨، ٣٠٩، ١٨٨٠، ١٨٨١، ٢٥٠٥)، وأبو يعلى (٥٧٨٨)، والخلال في «السنة» (١٣٨٢، ١٣٨٣، ١١٨٤)، وابن حبان (١٥٨، ١٤٤٦)، والدولابي في «الكنى» (١/ ٨٠)، وابن عدي في «الكامل» (٢/ ٢٤٣)، (٤/ ١٠٠)، والآجري في «الشريعة (٢٠١ - ٢٠٣)، وفي «الأربعين» (١٦)، وأبو بكر الشافعي في «الغيلانيات» (٤٦٠)، والطَّبرانيُّ في «الكبير» (١٣٢٠٣، ١٣٥١٨)، وفي «الأوسط» (٢٩٣٠، ٦٢٦٤، ٦٥٣٣)، وأبو الشيخ في «طبقات المحدثين» (٨٤٩)، والدارقطني في «الأفراد» - كما في «الأطراف» - (١٩١١، ٢٨٨٢، ٢٩٨٦)، وفي «المؤتلف والمختلف» (٢/ ٩٤٢)، (٣/ ١١٧٦)، وفي «العلل» = (١٣/ ١٣٠)، وابن المقرئ في «معجمه» (٥٧٧)، وأبو محمد الجوهري في «حديث أبي الفضل الزهري» (٥٥٤)، وابن منده في «الإيمان» (٤٠ - ٤٣)، (١٤٨ - ١٥٠)، وفي «التوحيد» (١٦٥)، واللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» (١٤٩٠)، وابن عبد البر في «التمهيد» (١٦/ ١٦٠)، وأبو نعيم في «المستخرج» (٩٨ - ١٠٢)، وفي «الحلية» (٣/ ٦٢)، وفي «أخبار أصبهان» (١/ ١٨٢، ١٨٣)، والسهمي في «تاريخ جرجان» (٧٣٥، ٨٧٢)، والبَيهَقِيُّ في «الاعتقاد» (ص ٢٨٧، ٢٨٨)، وفي «السنن الكبرى» (١/ ٣٥٨)، (٤/ ٨١، ١٩٩)، وفي «الصغير» (٢٤٩)، وفي «الشعب» (٢٠، ٢١، ٣٢٩١، ٣٥٦٧)، وفي «فضائل الأوقات» (٣١)، والخطيب في «الكفاية» (٥٣٣ - ٥٣٥)، وفي «الأسماء المبهمة» (ص ٣٣٦، ٣٣٧)، والبغوي في «شرح السنة» (٦)، وفي «تفسيره» (١/ ٥١٢)، وابن بطة في «الإبانة» (٤٢٢، ٤٢٣)، والشجري في «أماليه» (١٣٠، ١٣٨)، والرافعي في «التدوين» (٢/ ٢٣٧)، وابن عساكر في «تاريخه» (٧/ ١٦١)، (١٥/ ٢١٤)، (٤٣/ ٨٦)، (٥٤/ ٥٣، ٥٤)، (٦١/ ٦٥)، (٦٣/ ٢٢٨٩، (٦٨/ ٢٣٤)، وفي «معجمه» (١٢/ ٤٢٣، ٩٩٤)، وبيبي في «جزئها» (٧٦)، والطحاوي في «أحكام القرآن» (١٥٩٨)، والنسوي في «الأربعين» (٤٠)، وغيرُهُم. من طرق عن ابن عمر به.
وانظر «العلل» للدَّارَقُطنيِّ (١٣/ ١٢٩، ١٣٠، ٢١١، ٢١٢، ١٨٥، ٢٢١)، و «العلل» لابن أبي حاتم (١٩٦١)، و «إرواء الغليل» (٣/ ٢٤٩)، والله أعلم.
(٣) تفسير ابن كثير: ١/ ١٦٤ - ١٦٩.
(٤) لسان العرب: ١٠/ ١١٥.
(٥) المفردات في غريب القرآن، الأصفهاني: ١/ ٣٥١.
(٦) المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، دار الدعوة: (١: ٣٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>