للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقَمْنَا لأَهْلِ الْعِرَاقَيْنِ سُوقَ الـ ... ـضِّرَاب فَخَامُوا وَوَلَّوْا جَمِيعَا

والثاني: أنه فعل الصلاة سُمِّي إقامة لها، لما فيها من القيام فلذلك قيل: قد قامت الصلاة.

قوله تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: ٣]، " أي: مما أعطيناهم من المال يخرجون" (١).

قال الصابوني: "أي ومن الذي أعطيناهم من الأموال ينفقون ويتصدقون في وجوه البر والإِحسان" (٢).

قال ابن عطية: " والرزق عند أهل السنة، ما صح الانتفاع به حلالا كان أو حراما، بخلاف قول المعتزلة إن الحرام ليس برزق" (٣).

وقال البغوي: " والرزق اسم لكل ما ينتفع به حتى الولد والعبد وأصله في اللغة الحظ والنصيب" (٤).

وفي قوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: ٣]، ثلاثة تأويلات:

أحدها: إيتاء الزكاة احتساباً لها، وهذا قول ابن عباس (٥).

والثاني: نفقة الرجل على أهلِهِ، وهذا قول ابن مسعود (٦)، والسدي (٧).

والثالث: التطوع بالنفقة فيما قرب من الله تعالى، وهذا قول الضحاك (٨)، وري عن قتادة (٩) مثل ذلك.

الثالث: وقيل: إنه الحقوق الواجبة العارضة في الأموال ما عدا الزكاة (١٠).

والراجح أن الآية تعمّ الجميع، "وهذه الأقوال تمثيل لا خلاف" (١١)، فالله تعالى "لم يخصُصْ مدْحَهم ووصفَهم بنوع من النفقات المحمود عليها صاحبُها دونَ نوعٍ بخبر ولا غيره - أنهم موصوفون بجميع معاني النفقات المحمودِ عليها صاحبُها من طيِّب ما رزقهم رَبُّهم من أموالهم وأملاكهم، وذلك الحلالُ منه الذي لم يَشُبْهُ حرامٌ" (١٢).

ورجح هذا القول ابن جرير الطبري (١٣) وابن عطية (١٤)، والقرطبي (١٥) والسعدي (١٦).

وفي اعراب قوله تعالى {مِن} [البقرة: ٣]، هنا وجهان (١٧):

أحدهما: ، أن تكون للبيان.


(١) تفسير ابن عثيمين: ١/ ٣٠.
(٢) صفوة التفاسير: ١/ ٢٦.
(٣) المحرر الوجيز: ١/ ٨٥. وفي الموضوع نفسه قال ابن عاشور: " والرزق شرعا عند أهل السنة كالرزق لغة إذ الأصل عدم النقل إلا لدليل، فيصدق اسم الرزق على الحلال والحرام لأن صفة الحل والحرمة غير ملتفت إليها هنا فبيان الحلال من الحرام له مواقع أخرى ولا يقبل الله إلا طيبا وذلك يختلف باختلاف أحوال التشريع مثل الخمر والتجارة فيها قبل تحريمها، بل المقصود أنهم ينفقون مما في أيديهم.
وخالفت المعتزلة في ذلك في جملة فروع مسألة خلق المفاسد والشرور وتقديرهما، ومسألة الرزق من المسائل التي جرت فيها المناظرة بين الأشاعرة والمعتزلة كمسألة الآجال، ومسألة السعر، وتمسك المعتزلة في مسألة الرزق بأدلة لا تنتج المطلوب". [التحرير والتنوير: ١/ ٢٣٥].
(٤) تفسير البغوي: ١/ ٦٣.
(٥) أنظر: تفسير الطبري (٢٨٥)، و (٢٨٦): ص ١/ ٢٤٣، وابن أبي حاتم (٧٧): ص ١/ ٣٧.
(٦) أنظر: تفسير الطبري (٢٨٨): ص ١/ ٢٤٣.
(٧) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٧٨): ص ١/ ٣٨.
(٨) أنظر: تفسير الطبري (٢٨٧): ص ١/ ٢٤٣.
(٩) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٧٩): ص ١/ ٣٨.
(١٠) لأن الله تعالى لما قرنه بالصلاة كان فرضا، ولما عدل عن لفظها كان فرضا سواها، (ينظر: تفسير القرطبي: ١/ ١٧٩) ..
(١١) المحرر الوجيز: ١/ ٨٥.
(١٢) تفسير الطبري: ١/ ٢٤٤.
(١٣) ينظر: تفسير الطبري: ١/ ٢٤٣.
(١٤) أنظر: المحرر الوجيز: ١/ ٨٥.
(١٥) ينظر: تفسير القرطبي: ١/ ١٧٩.
(١٦) ينظر: تفسير السعدي: ١/ ٤٠.
(١٧) أنظر: تفسير ابن عثيمين: ١/ ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>