للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الذين جحدوا ما أُنزل إليك من ربك استكبارًا وطغيانًا، لن يقع منهم الإيمان، سواء أخوَّفتهم وحذرتهم من عذاب الله، أم تركت ذلك؛ لإصرارهم على باطلهم.

اختلف أهل التفسير في سبب نزول هذه الآية على أقوال (١):

أحدها: أنها "نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته". قاله الضحاك (٢).

والثاني: وقيل نزلت في اليهود. قاله ابن عباس (٣)، والكلبي (٤)، واختاره الطبري (٥).

والثالث: وقيل: "نزلت في أهل القليب (٦) قليب بدر. منهم أبو جهل، وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط والوليد بن المغيرة" (٧)، حكي ذلك عن الربيع (٨).

قال ابن حجر: "وكذا حكاه أبو حيان ولم ينسبه لقائل (٩)، وأقره، وفيه خطأ لأن الوليد بن المغيرة مات بمكة قبل الهجرة (١٠)، وعقبة بن أبي معيط إنما قتل بعد رحيل المسلمين من بدر راجعين إلى المدينة قتل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصفراء باتفاق أهل العلم بالمغازي" (١١).

الرابع: وقال أبو العالية: "نزلت في قادة الأحزاب، وهم الذين قال الله تعالى فيهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَار} " (١٢).

والخامس: وقيل: أنها "أنزلت في مشركي العرب من قريش وغيرهم" (١٣).

السادس: وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ويبايعوه على الهدى، فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا مَنْ سبقت له السعادة في الذّكْر الأول، ولا


(١) نظر: أسباب النزول للواحدي: ٢١ - ٢٢، والعجاب في بيان الأسباب لابن حجر: ١/ ٢٣٠ - ٢٣٢.
(٢) أخرج ابن إسحاق ومن طريقه ابن جرير (١/ ٨٤) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن صدر سورة البقرة إلى المائة منها نزل في رجال سماهم بأعيانهم وأنسابهم من أحبار يهود ومن المنافقين من الأوس والخزرج. وإسناد ابن إسحاق حسن.
(٣) أنظر: تفسير الطبري (٢٩٥)، و (٢٩٦): ص ١/ ٢٥١، وابن أبي حاتم (٩٤): ص ١/ ٤١، والخبر في سيرة ابن هشام القسم الأول: ٥٣١، في: فصل الأعداء من يهود، دون سند، وابن كثير في تفسيره: ١/ ٤٥، والسيوطي في: الدر المنثور: ١/ ٢٩، والشوكاني في "فتح الباري" في "فتح القدير: ١/ ٢٨.
(٤) أنظر: اسباب النزول للواحدي: ٢١.
(٥) أنظر: تفسير الطبري: ١/ ٢٥٢.
(٦) في "القاموس" مادة قلب" "ص ١٦٣": "القليب: البئر، أو العادية القديمة منها، ويؤنث".
(٧) أنظر: البحر المحيط: ١/ ٥٠.، والعجاب في بيان الأسباب: ١/ ٢٢٩ - ٢٣٠.
(٨) أنظر: تفسير الطبري (٢٩٨): ص ١/ ٢٢.
(٩) أصل القول دون ذكر الأسماء مروي بالسند عن الربيع بن أنس كما فى تفسير الطبري "٢٥٢/ ١" ونصه: "آيتان في قادة الأحزاب: إن الذين كفروا ... فهم الذين قتلوا يوم بدر". قال ابن عطية في "١٥٢/ ١": هكذا حكي هذا القول، وهو خطأ؛ لأن قادة الأحزاب قد أسلم كثير منهم، وإنما نزلت ترتيب الآية في أصحاب القلب ... " وعلة تخطئته لهذا القول انصراف ذهنه إلى غزوة الخندق -والله أعلم- وليس هذا بلازم، فالمقصود من الأحزاب هنا المشركون الذين تحزبوا على المسلمين في بدر، وهذا قول أبي العالية، ويرويه عنه الربيع كما في "تفسير ابن كثير" "١/ ٤٥". [حاشية العجاب: ١/ ٢١٠].
(١٠) قال ابن إسحاق في كلامه على كفاية الله نبيه أمر المستهزئين: "حدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير، أو غيره من العلماء: أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم يطوفون بالبيت فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فمر به الأسود بن المطلب، فرمى في وجهه بورقة خضراء فعمي، ومر به الأسود بن عبد يغوث، فأشار إلى بطنه، فاستسقى بطنه فمات منه حبنا [هو انتفاخ البطن من داء]، ومر به الوليد بن المغيرة، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله، كان أصابه قبل ذلك بسنين، وهو يجر سَبَله [أي: فضول ثيابه] وذلك أنه مر برجل من خزاعة وهو يريش نبلًا له، فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش في رجله ذلك الخدش، وليس بشيء، فانتقض به [أي: تجدد] فقتله ... " انظر "سيرة ابن هشام" "١/ ٤١٠".
(١١) العجاب في بيان الأسباب: ١/ ٢٣٠. والذي في سيرة ابن هشام "١/ ٦٤٤" ما يلي: "قال ابن إسحاق: حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصفراء قتل النضر بن الحارث، ثم خرج حتى إذا كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيط. قال ابن هشام: عرق الظنية عن غير ابن إسحاق" ا. هـ باختصار.
ولا يمكن قبول هذا السبب لأن الآية تدل على أنها نزلت في كفار أحياء لا أموات!
(١٢) ذكره أبو حيان في "البحر" "١/ ٥٠" وتسلسله عنده الثاني وهو نفس القول الماضي الذي ذكره برقم الرابع، وكل ما هنالك أنه قسمه إلى قسمين: قادة الأحزاب وأصحاب القليب، وفي هذا نظر. والآية من سورة إبراهيم "٢٨".
(١٣) البحر المحيط: ١/ ٥٠، والعجاب: ١/ ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>