للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن الله عز ذكره، إنما دلّ بتحريمه حرمة القلادة، على ما ذكرنا من حرمة المقلَّد، فاجتزأ بذكره «القلائد» من ذكر «المقلد»، إذ كان مفهومًا عند المخاطبين بذلك معنى ما أريد به.

وقد ذكر بعض الشعراء في شعره ما ذكرنا عمن تأوَّل " القلائد " أنها قلائد لحاء شجر الحرم الذي كان أهل الجاهلية يتقلَّدونه، فقال وهو يعيب رجلين قتلا رجلين كانا تقلَّدا ذلك (١):

أَلَمْ تَقْتُلا الْحِرْجَيْنِ إذْ أَعْوَراكُمَا (٢) ... يُمِرَّانِ بِالأيْدِي اللِّحَاءَ الْمُضَفَّرَا

و«الحرجان»، المقتولان كذلك. ومعنى قوله: «أعوراكما»، أمكناكما من عورتهما" (٣).

قوله تعالى: {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: ٢]، أي: " ولا تَسْتَحِلُّوا قتال قاصدي البيت الحرام" (٤).

قال ابن عباس: " يقول: من توجَّه حاجًّا" (٥).

قال الضحاك: " يعني: الحاج" (٦).

قال مطرِّف بن الشخّير: " الذين يريدون البيت" (٧).

قال ابن جريج: ": ينهى عن الحجاج أن تُقطع سبلهم" (٨).

قال الطبري: أي: " ولا تحلُّوا قاصدي البيت الحرام العامدية" (٩).

قال ابن كثير: " أي: ولا تستحلوا قتال القاصدين إلى بيت الله الحرام، الذي من دخله كان آمنا" (١٠).

قال الزمخشري: "آموا المسجد الحرام: قاصدوه، وهم الحجاج والعمار" (١١).

يقال: أممت كذا، إذا قصدته وعمدته، وبعضهم يقول: يَمَمْته، كما قال الشاعر (١٢):

إنِّي كَذَاكَ إذَا مَا سَاءَنِي بَلَدٌ ... يَمَمْتُ صَدْرَ بَعِيرِي غَيْرَهُ بَلَدَا

و{البيت الحرام}، بيت الله الذي بمكة (١٣).


(١) أشعار الهذليين ٣: ١٩، والمعاني الكبير: ١١٢٠، واللسان (حرج). و " الحرج " (بكسر الحاء وسكون الراء): الودعة، قالوا: عنى بالحرجين: رجلين أبيضين كالودعة، فإما أن يكون البياض لونهما، وإما أن يكون كنى بذلك عن شرفهما. وقال شارح ديوانه: " ويكون أيضًا الحرجان، رجلين يقال لهما: الحرجان ". و " أمر الحبل يمره ": فتله. و " اللحاء "، قشر الشجر. و " المضفر " الذي جدل ضفائر.
هذا وقد ذكر أبو جعفر أن الشعر في رجلين قتلا رجلين، وروى " ألم تقتلا "، والذي في المراجع " ألم تقتلوا "، وهو الذي يدل عليه سياق الشعر، فإن أوله قبل البيت: ألا أبْلِغَا جُلَّ السَّوَارِي وَجابرًا ... وَأَبْلِغْ بَني ذِي السَّهْم عَنِّي وَيَعْمَرَا
وَقُولا لَهُمْ عَنِّي مَقَالَةَ شَاعِرٍ ... أَلَمّ بقَوْلٍ، لَمْ يُحَاوِلْ لِيَفْخَرَا
لَعَلَّكُمْ لَمَّا قَتَلْتُمْ ذَكَرْتُمُ ... وَلَنْ تَتْرُكُوا أَنْ تَقْتُلُوا، مَنْ تَعَمَّرَا
فالشعر كله بضمير الجمع. وسببه أن جندبًا، أخو البريق بن عياض اللحياني، قتل قيسًا وسالمًا ابني عامر بن عريب الكنانيين، وقتل سالم جندبًا، اختلفا ضربتين.
(٢) رواية أبي جعفر كما شرحها " أعوراكما "، ورواية الديوان " أعورا لكم "، وهي في سياق لمشعر، ورواية اللسان: " أعرضا لكم "، ويروي " عورا لكم " بتشديد الواو. هذا على أن هذه الرواية: " أعور " متعديًا، والذي كتب في اللغة " أعور لك الشيء فهو معور ".
(٣) تفسير الطبري: ٩/ ٤٦٩ - ٤٧٠.
(٤) التفسير الميسر: ١٠٦.
(٥) أخرجه الطبري (١٠٩٦١): ص ٩/ ٤٧٤ - ٤٧٥.
(٦) أخرجه الطبري (١٠٩٦٢): ص ٩/ ٤٧٥.
(٧) أخرجه الطبري (١٠٩٦٣): ص ٩/ ٤٧٥.
(٨) تفسير الطبري: ٩/ ٤٧٤.
(٩) تفسير الطبري: ٩/ ٤٧١.
(١٠) تفسير ابن كثير: ٣/ ١٠.
(١١) الكشاف: ١/ ٦٠١ ..
(١٢) لم أتعرف على قائله، وانظر البيت في: مجاز القرآن لأبي عبيدة ١/ ١٤٦، وتفسير الطبري: ٩/ ٤٧١.
(١٣) انظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة ١/ ١٤٦، وتفسير الطبري: ٩/ ٤٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>