للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الزمخشري: " {فاصطادوا}، إباحة للاصطياد بعد حظره عليهم، كأنه قيل: وإذا حللتم فلا جناح عليكم أن تصطادوا" (١).

قال الشافعي: " فأخبر أنَّه أباح شيئاً كان حرَّمه، ولم يوجب الصيد عند الإحلال" (٢).

وقرئ: «وإذا أحللتم»، يقال: حل المحرم وأحل. وقرئ: «فاصطادوا»، بكسر الفاء. وقيل: هو بدل من كسر الهمزة عند الابتداء (٣).

قوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} [المائدة: ٢]، أي: " ولا يحملنكم بغضُ قوم كانوا قد صدوكم عن المسجد الحرام على أن تعتدوا عليهم" (٤).

قال ابن كثير: " أي: لا يحملنكم بغض قوم قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام، وذلك عام الحديبية، على أن تعتدوا في حكم الله فيكم فتقتصوا منهم ظلمًا وعدوانًا، بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في كل أحد، وهذه الآية كما سيأتي من قوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: ٨] أي: لا يحملنكم بغض أقوام على ترك العدل، فإن العدل واجب على كل أحد، في كل أحد في كل حال" (٥).

وقال بعض السلف: "ما عاملتَ من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، والعدل به قامت السموات والأرض (٦).

وفي قوله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ} [المائدة: ٢]، ثلاثة اقوال.

أحدها: لا يحملنكم، وهو قول ابن عباس (٧)، وقتادة (٨)، والكسائي (٩)، وأبي العباس المبرد (١٠)، والطبري (١١)، يقال: جرمني فلان على بغضك، أى حملني، قال الشاعر (١٢):

وَلَقَدْ طَعَنْتُ أَبّا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً ... جَرَمَتْ فَزارَةُ بَعْدَها أَنْ يَغْضَبُوا

والثاني: ولا يكسبنكم، يقال جرمت على أهلي، أي كسبت لهم، قاله الفراء (١٣)، وأبو علي الفارسي (١٤)، وهو قول أكثر أهل اللغة والمعاني كما قاله الواحدي (١٥)، ومنه قول أبي خراش الهذلي (١٦):


(١) الكشاف: ١/ ٦٠٢.
(٢) تفسير الإمام الشافعي: ٢/ ٦٩٥.
(٣) انظر: الكشاف: ١/ ٦٠٢.
(٤) صفوة التفاسير: ٣٠١.
(٥) تفسير ابن كثير: ٢/ ١١.
(٦) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٢.
(٧) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٩٠): ص ٩/ ٤٨٣.
(٨) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٩١): ص ٩/ ٤٨٣.
(٩) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٨.
(١٠) انظر: تهذيب اللغة" ١/ ٥٨٨ (جرم)، والنكت ولاعيون: ٢/ ٨، والتفسير البسيط للواحدي: ٧/ ٢٣٢.
(١١) انظر: تفسير الطبري ٩/ ٤٨٢.
(١٢) البيت لأبي أبو أسماء بن الضّريبة. ويقال: هو لعطية بن عفيف، ونسبه سيبوبه للفزاري مجهلا، انظر: الكتاب لسيبويه ١/ ٤٦٩، مجاز القرآن لأبي عبيدة ١/ ١٤٧، مشكل القرآن: ٤١٨، والفاخر: ٢٠٠، الجواليقي: ١٦٣، البطليوسي: ٣١٣، الخزانة ٤/ ٣١٠، اللسان (جرم). وسبب الشعر أن كرزًا العقيلي، قتل أبا عيينة حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري يوم حاجر، فلما قتل كرز، قال الشاعر يرثيه ويخاطبه:
يَا كُرزُ، إنَّكَ قَدْ قُتِلْتَ بِفَارِسٍ ... بَطَلٍ إذَا هَابَ الكُمَاةُ وَجَبَّبُوا
يقال: " جبب الرجل تجبيبًا ": إذا فر ومضى مسرعًا. وروى البكري في معجم ما استعجم أنه قال: يَا كُرْزُ إنَّكَ قد فَتَكْتَ بِفَارِسٍ ... بَطَلٍ إذَا هَابَ الكُمَاةُ مُجَرَّبِ
وكأنه شعر غير هذا الشعر.
(١٣) انظر: معاني القرآن: ١/ ٢٩٩.
(١٤) انظر: الحجة للقرا السبعة: ٣/ ١٩٦.
(١٥) انظر: التفسير البسيط: ٧/ ٢٣٢.
(١٦) "ديوان الهذليين" ٢/ ١٣٣، و"الحجة" ٣/ ١٩٦، و"تهذيب اللغة" ١/ ٥٨٩ (جرم).
الناهض: فرخ العقاب، والنيق: أرفع موضع في الجبل. والصليب: ودك العظاء.

<<  <  ج: ص:  >  >>