للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جريمة ناهض في رأس نيق ... ترى لعظام ما جمعت صليبا

قوله «جريمة»: أي كاسبة.

والثالث: لا يُحِقَّنَّ لَكُمْ. لأَنَّ قَوْلَهُ {لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ} انما هو حَقٌّ أَنَّ لَهُمْ النّارَ. وهذا قول الأخفش (١).

والاقوال الثلاثة متقاربة المعنى، لأنه من حمل رجلا على بغض رجل، فقد أكسبه بغضه، ومن أكسبه بغضه، فقد أحقَّه له، فإذا كان ذلك كذلك، فالذي هو أحسن في الإبانة عن معنى الحرف، ما قاله ابن عباس وقتادة، وذلك توجيههما معنى قوله: {ولا يجرمنكم شنآن قوم}، ولا يحملنكم شنآن قومٍ على العدوان (٢).

وفي قوله تعالى: {شَنَئَانُ قَوُمٍ} [المائدة: ٢]، تأويلان:

أحدهما: معناه بغض قوم، وهذا قول ابن عباس (٣) وقتادة (٤)، وابن زيد (٥).

والثاني: عداوة قوم، وهو قول قتادة أيضا (٦).

وقرأ: يحيى بين وثّاب، والأعمش: «وَلا يُجْرِمَنَّكُمْ»، برفع «الياء»، من: أجرمته أجرمه، وهو يُجْرِمني (٧).

وقراءة القرآن بأفصح اللغات، أولى وأحق منها بغير ذلك، ومن لغة من قال " جَرَمْتُ "، قول الشاعر (٨):

يَا أَيُّهَا المُشْتَكِي عُكْلا وَمَا جَرَمَتْ ... إلى القَبَائِلِ مِنْ قَتْلٍ، وإبْآسُ (٩)

وقرئ: «شَنْآنُ قَوْمٍ»، بتسكين «النون»، وفتح «الشين»، بمعنى: الاسم (١٠).

والفصيح من كلام العرب فيما جاء من المصادر «شَنَئَانُ» على «الفَعلان»، بفتح: «الفاء»، تحريك ثانيه دون تسكينه، من: شنئته أشنَؤُه شنآنًا، ومن العرب من يقول: «شَنَانٌ»، على تقدير «فعال»، ولم يقرأ ذلك كذلك، ومن ذلك قول الأحوص بن محمد الأنصاري (١١):

وَمَا العَيْشُ إلا مَا تَلَذُّ وتَشْتَهِي ... وَإنْ لامَ فِيهِ ذُو الشَّنَانِ وَفَنَّدَا

وهذا في لغة من ترك الهمز من «الشنآن»، فصار على تقدير: «فعال»، وهو في الأصل: «فَعَلان» (١٢).

قراءة عبد الله: «إن صدوكم»، بكسر «الألف» (١٣).


(١) انظر: معاني القرآن: ١/ ٢٧١. واستشهد بالبيت الذي ذكره الفراء في القول السابق.
(٢) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٤٨٤.
(٣) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٩٣)، و (١٠٩٩٤): ص ٩/ ٤٨٧.
(٤) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٩٥): ص ٩/ ٤٨٧.
(٥) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٩٦): ص ٩/ ٤٨٧.
(٦) انظر: النكت والعيون: ٢/ ٨.
(٧) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٩٢): ص ٩/ ٤٨٥.
(٨) البيت ينسب للفرزدق، وليس في ديوان، مجالس ثعلب: ٤٩، ٥٠، والأضداد لابن الأنباري: ٨٥، والبيت مرفوع القافية وبعد البيت: إنّا كَذَاكَ، إذَا كانَتْ هَمَرَّجَةٌ ... نَسْبِي ونَقْتُلُ حَتَّى يُسْلِمَ النَّاسُ
" همرجة ": اختلاط وفتنة. وروى ثعلب هذين البيتين. ثم قال، ولم يبين لمن كان هذا الخبر: " قلت له (يعني: للفرزدق): لم قلت: من قتل، وإبآس؟ قال: كيف أصنع وقد قلت: حتى يسلم الناس؟ قال قلت: فيم رفعته؟ قال: بما يسوءك وينوءك! ".
ثم قال أبو العباس ثعلب: " وإنما رفعه، لأن الفعل لم يظهر بعده، كما تقول: ضربت زيدًا وعمرو لم يظهر الفعل فرفعت، وكما تقول: ضربت زيدًا وعمرو مضروب ".
(٩) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٤٨٥.
(١٠) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٤٨٦.
(١١) طبقات فحول الشعراء: ٥٣٩، الأغاني ١٣: ١٥١ - ١٥٣، مصارع العشاق: ٦٢، ٧٥، والشعر والشعراء: ٥٠١، واللسان (شنأ)، وقلما يخلو منه كتاب بعد.
(١٢) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٤٨٦ - ٤٨٧.
(١٣) انظر: تفسير الطبري: ٩/ ٤٨٨، والكشاف: ١/ ٦٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>