للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢]، أي: " وتعاونوا -أيها المؤمنون فيما بينكم- على فِعْل الخير، وتقوى الله" (١).

قال ابن كثير: " يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات، وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى (٢).

قال الزمخشري: أي: "على العفو والإغضاء، ، ويجوز أن يراد العموم لكل بر" (٣).

قال ابن عباس: " «البر»: ما أمرت به، و «التقوى»: ما نهيت عنه" (٤). وروي عن أبي العالية مثل ذلك (٥).

قال ابن خويز منداد في أحكامه: "والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه، فواجب على العالم أن يعين الناس بعلمه فيعلمهم، ويعينهم الغني بماله، والشجاع بشجاعته في سبيل الله، وأن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة «المؤمنون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم» (٦)، ويجب الإعراض عن المتعدي وترك النصرة له ورده عما هو عليه" (٧).

قوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢]، أي: " ولا تعاونوا على ما فيه إثم ومعصية وتجاوز لحدود الله " (٨).

قال الزمخشري: أي: "على الانتقام والتشفي، ويجوز أن يراد به تقوى وكل إثم وعدوان" (٩).

قال القرطبي: {الإثم: } "وهو الحكم اللاحق عن الجرائم، وعن {العدوان}: وهو ظلم الناس" (١٠).

قال الطبري: "يعني: ولا يعن بعضكم بعضًا على ترك ما أمركم الله بفعله، ولا على أن تتجاوزوا ما حدَّ الله لكم في دينكم، وفرض لكم في أنفسكم وفي غيركم" (١١).

قال ابن كثير: "ينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم" (١٢).

قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: ٢]، أي: " واحذروا مخالفة أمر الله فإنه شديد العقاب" (١٣).

قال الطبري: يعني: واحذروا الله، أيها المؤمنون، أن تلقوه في معادكم وقد اعتديتم حدَّه فيما حدَّ لكم، وخالفتم أمره فيما أمركم به، أو نهيه فيما نهاكم عنه، فتستوجبوا عقابه، وتستحقوا أليم عذابه. ثم وصف عقابه بالشدة فقال عز ذكره: إن الله شديدٌ عقابه لمن عاقبه من خلقه، لأنها نار لا يطفأ حَرُّها، ولا يخمد جمرها، ولا يسكن لهبها، نعوذ بالله منها ومن عمل يقرِّبنا منها" (١٤).

قال القرطبي: " ثم أمر بالتقوى وتوعد توعدا مجملا فقال: {واتقوا الله إن الله شديد العقاب} " (١٥).

واختلفوا فيما نسخ من هذه الآية بعد إجماعهم على أن منها منسوخاً على ثلاثة أقاويل:

أحدهما: ان جميعها منسوخ، وهذا قول الشعبي (١٦)، والضحاك (١٧)، وقتادة-في إحدى الروايات- (١٨)، وابن زيد (١٩)، واختيار الزجاج (٢٠).

قال الشعبي: "لم ينسخ من المائدة إلا هذه الآية" (٢١).

والثاني: أن الذى نسخ منها: {وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاءَآمِّينَ الْبَيتَ الْحَرَامَ}، وهذا قول ابن عباس (٢٢)، وقتادة (٢٣)، والسدي (٢٤).

والثالث: أن الذي نسخ منها ما كانت الجاهلية تتقلده من لحاء الشجر، وهذا قول مجاهد (٢٥).

والرابع: أن أن الذى نسخ منها: {ولا يجرمنكم شنآن قوم أن تعتدوا}، وهذا قول ابن زيد أيضا (٢٦). واعترض الطبري فقال: " غير منسوخ، لاحتماله: أن تعتدوا الحقَّ فيما أمرتكم به. وإذا احتمل ذلك، لم يجز أن يقال: هو منسوخ، إلا بحجة يجب التسليم لها" (٢٧).

والراجح من الاقوال هو القول الثاني، "قول من قال: نسخ الله من هذه الآية قوله: {ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام}، لإجماع الجميع على أن الله قد أحلّ قتال أهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها من شهور السنة كلها، وكذلك أجمعوا على أن المشرك لو قَلَّد عنقه أو ذراعيه لحاء جميع أشجار الحرم، لم يكن ذلك له أمانًا من القتل، إذا لم يكن تقدَّم له عقد ذمة من المسلمين" (٢٨).

الفوائد:

١ - وجوب احترام شعائر الدين كلها أداء لما وجب أداؤه، وتركاً لما وجب تركه.

٢ - حرمة الاعتداء مطلقاً على الكافر.

٣ - وجوب التعاون بين المؤمنين على إقامة الدين، ورحمة تعاونهم على المساس به.

القرآن

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣)} [المائدة: ٣]


(١) التفسير الميسر: ١٠٦.
(٢) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٢.
(٣) الكشاف: ١/ ٦٠٣.
(٤) أخرجه الطبري (١١٠٠٠): ص ٩/ ٤٩١.
(٥) انظر: تفسير الطبري (١١٠٠١): ص ٩/ ٤٩١.
(٦) أخرجه أحمد في المسند ١/ ١٢٢، وأخرجه أبو داود في السنن ٤/ ٦٦٦ - ٦٦٩، كتاب الديات (٣٣)، باب إيقاد المسلم. . . (١١)، الحديث (٤٥٣٠)، وأخرجه النسائي في المجتبى من السنن ٨/ ٢٤، كتاب القسامة (٤٥)، باب سقوط القَوَد من المسلم للكافر (١٣ - ١٤).
ونص الحديث: عن علي رضي اللَّهُ عنه، عن النَّبيِّ صلى اللَّه عليه وسلم أنّه قال: "المسلمونَ تَتكافَأُ دماؤهم، ويَسعَى بذِمَّتِهم أَدناهم، ويَرُدُّ عليهم أَقْصاهم، وهُم يَدٌ على مَنْ سِواهم، ولا يُقتَلُ مسلمٌ بكافرٍ، ولا ذُو عهدٍ في عهدِه".
(٧) نقلا عن تفسير القرطبي: ٦/ ٤٧.
(٨) التفسير الميسر: ١٠٦.
(٩) الكشاف: ١/ ٦٠٣.
(١٠) تفسير القرطبي: ٦/ ٤٧.
(١١) تفسير الطبري: ٩/ ٤٩٠.
(١٢) تفسير ابن كثير: ٢/ ١٢.
(١٣) التفسير الميسر: ١٠٦.
(١٤) تفسير الطبري: ٩/ ٤٩٢.
(١٥) تفسير القرطبي: ٦/ ٤٧.
(١٦) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٦٤)، و (١٠٩٦٦): ص ٩/ ٤٧٥ - ٤٧٦.
(١٧) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٦٨)، و (١٠٩٦٩): ص ٩/ ٤٧٦.
(١٨) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٦٧): ص ٩/ ٤٧٦.
(١٩) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٧١): ص ٩/ ٤٧٦.
(٢٠) انظر: معاني القرآن: ٢/ ١٤٢.
(٢١) أخرجه الطبري (١٠٩٦٦): ص ٩/ ٤٧٥ - ٤٧٦، وانظر: (١٠٩٦٤): ص ٩/ ٤٧٥.
(٢٢) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٧٥): ص ٩/ ٤٧٧ - ٤٧٨.
(٢٣) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٧٢)، و (١٠٩٧٣): ص ٩/ ٤٧٧، و (١٠٩٧٦): ص ٩/ ٤٧٨.
(٢٤) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٧٤): ص ٩/ ٤٧٧.
(٢٥) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٧٧)، و (١٠٩٧٨): ص ٩/ ٤٧٨ - ٤٧٩.
(٢٦) انظر: تفسير الطبري (١٠٩٩٩): ص ٩/ ٤٩٠.
(٢٧) تفسير الطبري: ٩/ ٤٩٠.
(٢٨) تفسير الطبري: ٩/ ٤٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>